من وسوس لنا وزرع فينا الشر، وجعلنا نحصد ثقافة العنف؟ بعض شبابنا يثورون ويغضبون، يخربون ويكسرون ويحرقون الممتلكات العامة والخاصة ويغلقون الطرقات ويقذفون رجال الأمن بالحجارة، لمجرد خسارة مقابلة في كرة القدم، أو انقطاع مادة الزيت، أو وقوع زلزال في منطقة ما، هذه الظاهرة غزت مجتمعنا مع أحداث أكتوبر 1988، والتي هي حسب رأينا كانت نتيجة لمقدمات نعدها من شر الوسواس الإنسي، أو الحرب النفسية الهدامة لأنها تبدو عفوية إلا أنها ممنهجة ومدروسة، ومجهولة المصدر، مرحلتها الأولى بدأت بعد أن خبت حماسة الثورة حيث ظهرت صيحات تحاول تقزيم الثورة رغم عظمتها، والتقليل من قيمة الكفاح والتضحيات التي قدمها المجاهدون، عبر مقولات ”كل الناس شاركت في الثورة” و«الشعب هو البطل”، ولا مجال للمزايدات، وظهر ذلك جليا في أدبيات المسرح والسينما، من خلال البطولة الجماعية، والابتعاد عن تمجيد البطل. ثم جاءت مرحلة تحطيم الذات وجلدها من خلال مقولة ”واش يفهم أو واش يعرف” التي واجهت كل من يحاول البروز، وطالت المعلم ورجل الدين والسياسي، فلم يبرز لنا علماء وفقدنا القدوة، تبعتها الاستهانة وتبخيس كل ما هو إنتاج وطني، وتفضيل الأجنبي، دخلنا من الجانب المعنوي في متاهة، وكثر من يدعو على الوطن بالمصائب، والخراب والزلزال، وهانت الجزائر على البعض، وظهر من يجاهر بتمنيه عودة الاستعمار. كل هذا وغيره، هيأ الظروف لمن عمل على تفجير أحداث أكتوبر وبعدها بسنوات دخلت الجزائر في العشرية السوداء، وظهر من ينوي الشر للجزائر حاملا سلاحه في وجه الدولة وبني جلدته، وكانت درسا للكثيرين الذين أدركوا قيمة ومعنى أن يعيش الوطن الأمن والاستقرار، وتمنوا زوال المحنة، ولا يهم أن يفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء ويأكلوا العشب، وما إن استتب الأمن وعادت الطمأنينة للنفوس، حتى عاد شيطان الفتنة من جديد ليزرع سمومه في أوساط شبابنا، مبشرا إياهم بمستقبل أسود ويزين لهم ”الحرقة” ويصنع منهم معاول للهدم، في أي أزمة مختلقة، بدل البحث عن الحلول، وما من مشكلة إلا ولها حل. لكن يظل الأمل في أن ما ذكرناه ليس حال كل شبابنا وأن النزعة الوطنية مازالت مفطورة في معظمهم، وما الإقبال على مدارس أشبال الأمة، والجيش والدرك والشرطة، إلا دليلا على أن الجزائر بخير وستتجاوز كل ذلك، من خلال ثلاث مؤسسات هي ”التربية والتعليم والشؤون الدينية والإعلام والاتصال.