الحكايات الشعبية وسيّر المغازي، عرفت منذ القديم ولمعت فيها نجوم جاهلية، إسلامية وشخصيات شعبية ترددت سيرها في الأوساط الشعبية، فعن العصر الجاهلي، برزت شخصيات؛ كالزير سالم في قصة حرب «الباسوس» التي كان سببها مقتل كليب أخو المهلهل الذي أشعل هذا الأخير فيها حربا ثأرا لكليب، وسيرة عنترة بن شداد العبسي، أضف إليهما القصص والحكايات الكثيرة التي كانت تتداول في الجاهلية، ثم انتقلت بعد ذلك إلى العصر الإسلامي، حيث ظهرت ملاحم وحكايات حول الغزوات التي خاضها الرسول والصحابة، وكان بطلها الأسطوري علي بن أبي طالب، خالد بن الوليد، المقداد بن الأسود وعمر ضميري، ومن هذه الحكايات ما انتقل إلى الأندلس وتداولته الأوساط الشعبية بعد سقوط الأندلس التي تعرضت للاضطهاد ومحاكم التفتيش. الحكايات الشعبية التي تم تطعيمها بالخيال وبشخصيات، حسب الأماكن التي انتقلت إليها، حيث تتغير الشخصية الشعبية من بطل إلى بروز آخر مثلما نجده في تغريبة بني هلال، إذ أن الشخصية الطاغية فيها بالنسبة للسيرة التي تتداول في المشرق، مثل؛ الشام، الحجاز ومصر، شخصية أبو زيد الهلالي، بينما تبرز في المغرب؛ شخصية ذياب بن غانم وشخصية الجازية الهلالية، عكس ما هو متداول في بلاد المشرق. وفيما يخص المغازي الإسلامية، فقد انتشرت في بلاد المغرب أكثر منها في بلاد المشرق، وكثيرا ما تردد هذه الحكايات والمغازي حسب المخيال الشعبي، قدوم علي بن أبي طالب إلى بلاد المغرب، وأن أثر حافر فرسه محفور في كثير من المناطق على الحجارة، فتحولت هذه الآثار إلى مزارات وعلى بعضها قباب، وربما يرجع سبب ذلك إلى لجوء العديد من أبناء الحسن والحسين إلى بلاد المغرب هروبا من البطش والقتل الذي لحقهما من قبل الأمويين، ومن بعدهم العباسيين. تظهر هذه الحكايات والمغازي عندما يتعرض شعب من شعوب بلاد المغرب إلى الغزو، الاضطهاد والاحتلال، فقد ظهرت مثل هذه الحكايات في الأندلس، كما يؤكد كتاب المغازي بالموريسكية، وهو عبارة عن مجموعة من الحكايات الملحمية، تم جمعها في كتاب لمؤلف مجهول. المغازي باللسان الموريسكي، تروي أحداث بعض غزوات العهد الإسلامي الأول، وبطل هذه الغزوات علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تعود كتابة هذه المغازي إلى القرن السادس عشر بلغة «الخاميادو». إن لجوء الموريسكيين إلى كتابة هذه السيّر والمغازي يعود لما تعرضوا له من اضطهاد وتنكيل على يد المسحين بعد سقوط الأندلس في أيديهم، حيث راحوا يلاحقون المسلمين في كل مكان ويجبرونهم بواسطة القمع والتقتيل من قبل محاكم التفتيش، على التخلي عن دينهم، فلجأ الموريسكيون إلى هذا النوع من المقاومة من خلال الكتابة لترسيخ الروح الدينية في الوقت الذي كانوا يعانون فيه من الاضطهاد والقمع الممارس عليهم من محاكم التفتيش، إذ أن هذه الحكايات تذكرهم بالماضي الإسلامي وما أنجزه الأسلاف من فتوحات، وفي نفس الوقت، ترسخ فيهم الإيمان بالفرج بعد اشتداد المحن، وربما من خلال وقوع معجزات مثلما كانت تقع في عهد النبوة والصحابة رضوان الله عليهم. ويرى بعض المحللين لهذه المغازي، أنها كانت ذات بعد سياسي وديني، ونوع من الخطاب الحماسي غير المباشر في تلك الفترة التي شهدت عدة ثورات، كانت أشهرها ثورة غرناطة الكبرى عام 1568 بزعامة محمد بن أمية. كتاب المغازي الموريسكية عرضه الدكتور عبد العالي بوكي في قراءة له، وضع لكل حكاية ملخصا، مسلطا الضوء على بعض الجوانب التاريخية، كتاب المغازي الموريسكية ضم تسع حكايات تتباين في أزمنتها وأمكنتها لكنها تصب في موضوع واحد، هو الغزوات الإسلامية. تناول الكتاب في حكايته الأولى التي كان سندها ابن اسحاق، معركة المسلمين الأوائل مع الأصيد بن سلمى المخزومي التي جرت بعد غزوة المصطلق، والتي قام فيها ذوو من ماتوا، وعلى رأسهم هند بنت عتبة التي قتل أبوها بالتحريض على الثار ومحاربة النبي، وكان على رأس الجيش الذي جهز للثأر؛ الأصيد بن سلمى المخزومي، حيث قتل علي بن أبي طالب أربعة من أبناء عم الأصيد في مبارزة جرت بينهما، ويهزم في نهاية الحكاية علي الأصيد، فيعلن الأصيد إسلامه. الحكاية الثانية تدور وقائعها في اليمن في معركة بين الشاعر والفارس الجاهلي عمر يكرب الزبيدي والمسلمين، انتصر فيها المسلمون على عمر بعد أن بارزه علي بن أبي طالب، ليعلن إسلامه في نهاية القصة. أما الغزوة الثالثة التي ضمها الكتاب، فبطلتها امرأة، وهي خديمة البارقية، والأحوص بن مخاص التي يرويها ابن إسحاق وبطلها من الجانب الإسلامي علي بن أبي طالب الذي جرت بينه وبين المرأة مبارزة، انتهت بهزيمة المرأة وإعلان إسلامها. الحكاية الرابعة أطلق عليها: «حديث وراء الحجرات»، دارت مع ملك على أرض تسمى وراء الحجرات، حيث وفد هذا الملك على النبي وطلب منه أن يرسل معه أربعة من الصحابة ليعلموهم الدين، وهم؛ خالد بن الوليد، الزبير بن العوام، المقداد بن الأسود وعمرو بن أمية الضمري، فأرسلهم النبي معهم، فغدروا بهم وأسروهم، ثم أمر الرسول عليا بالذهاب لنجدتهم وإنقاذهم. أما الحكاية الخامسة، فتدور حول المعركة التاريخية، وهي معركة حنين التي قادها الرسول ضد المشركين، وقد أخلط فيها الراوي بينها وبين معركة بدر، وصارع في هذه الغزوة علي العدو حتى قال عنه جبريل حسب الحكاية ؛ إن الملائكة أعجبت به. فيما تروي الحكاية السادسة معركة المهلهل بن فياض الذي جاء لمحاربة النبي في مائة ألف فارس، خمسين ألف راجل وأربعين ألف عبد، فأرسل النبي علي بن أبي طالب لإنقاذ خالد بن الوليد الذي وقع في الأسر، فأنقذه وهزم هذا الجيش العظيم الذي لم ينج منه إلا من أسلم. بينما تروي الحكاية السابعة معركة الأشيب بن حنفر الذي بعد أن يعمل على قتل المسلمين، يرسل الرسول لعلي ليفك من أسر من المسلمين، ويهزم المشركين، الشياطين والجن. أما الحكاية الثامنة، فتروي حديث قصر الذهب وقصة الثعبان مع علي بن أبي طالب، بينما القصة التاسعة والأخيرة تتناول حادثة علي والصبايا الأربعين. نجد في هذه الحكايات الشعبية أن علي بن أبي طالب هو الشخصية الرئيسية، وكل الأحداث تتناسق وتتهيأ لظهور علي، وأن كل المعارك لا تجري دون حضوره. وتخلص دراسة هذا الكتاب إلى القول: «هذه كانت بإيجاز بعض العناصر التاريخية في كتاب المغازي الموريسكية التي وقفت لإبراز بعض التراث الموريسكي المكتوب، وكذا مظاهر ارتباط الموريسكيين المسلمين بالسلف وبالعهد الإسلامي الأول، في خضم محنتهم ببلاد الأندلس، حيث لجأوا إلى مختلف الوسائل المتاحة والممكنة من أجل تحفيز بعضهم البعض في مواجهة حملات الإبادة والتهجير التي تعرضوا لها على يد محاكم التفتيش التي مازال التاريخ يحتفظ بها ويسجلها».