أعلن الوزير الأول، السيد عبد المالك سلال، أول أمس، عن سلسلة من الالتزامات التي ستعمل الحكومة على تنفيذها في إطار الاستجابة للانشغالات المعبر عنها من قبل شركائها الاقتصاديين والاجتماعيين في اجتماع الثلاثية، حيث كشف في هذا الصدد بأن الحكومة ستعمل بشكل فوري على التخفيف من إجراءات تطوير الاستثمار على غرار التخفيف في تدابير القرض المستندي وترقية دور الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار وحماية إطاراتها المسيرة، مشيرا في نفس السياق إلى أن الدولة لن تتخلى عن دورها الاجتماعي، ولن تلجأ إلى الحد من ارتفاع الواردات بقرار إداري، في ظل تأخر عملية الإقلاع الإقتصادي. ففي حين اعتبر “التهويل” الحاصل حول ارتفاع فاتورة الواردات الجزائرية هذه السنة، مبالغا فيه، موضحا بأن ثلثي هذه الواردات تدخل في إطار استقدام المواد التي تدخل ضمن عملية الانتاج، أبرز السيد سلال مكانة الاقتصاد الجزائري، بالنظر لمؤشرات اقتصاد كلي الايجابية التي اعترف بها صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير وبين الوضعية المالية الجيدة للجزائر التي أصبحت بلدا مقرضا للسوق المالية الدولية بديون عمومية شبه منعدمة، فيما بلغت نسبة النمو لديها العام الماضي 3,3 بالمائة و7,1 بالمائة خارج المحروقات، وتراوح حجم الادخار ما بين 40 إلى 50 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. وذكر الوزير الأول في نفس السياق، بامتلاك الجزائر لمنشآت قاعدية اقتصادية تضاهي ما تمتلكه البلدان المتطورة، بفضل برامج الانفاق العمومية الضخمة، التي أرست أسسا صناعية متينة.
نبذ الليبرالية المطلقة وترسيخ الدور الاجتماعي للدولة وفي نفس السياق، شدد رئيس الجهاز التنفيذي، على أن تصور الجزائر لبناء اقتصادها يبتعد كل البعد عن نهج الليبرالية المطلقة، حيث ستبقى الدولة تحتفظ بدورها الاجتماعي مع الحرص على تحقيق التوازن بين المردودية الاقتصادية والتطلعات الاجتماعية التي تخدم مصالح الشعب، وبشكل خاص الطبقة الشغيلة. كما استبعد الوزير الأول في سياق ذي صلة تدخل الحكومة بقرار إداري لتقليص حجم الواردات، أو لوقف نشاط الاقتصاد غير الرسمي، موضحا بأن الحد من التأثير السلبي لهذين العاملين يرتبط بمدى نجاعة وتطور الاقتصاد الوطني وتطوره الذي يعد الضابط الأساس للتعاملات الاقتصادية. وهنا ذكر السيد سلال بالدور المحوري الذي ينبغي أن تلعبه المؤسسات الوطنية، لكونها الخلية الأساسية للتنمية الاقتصادية، وأشار إلى أن الحكومة ستعمل على رفع التمييز الحاصل بين القطاعين العمومي والخاص، قائلا في هذا الصدد “مستقبلا لن يكون هناك حديث عن مؤسسة عمومية أو مؤسسة خاصة وإنما حديث عن مؤسسة وطنية وفقط”.
تخفيف القرض المستندي دون إلغائه واستبعد الوزير الأول تخلي الدولة عن العمل بالقرض المستندي، الذي يعد، حسبه، آداة اقتصادية ناجعة في الكشف عن الغشاشين، مطمئنا بأنه سيتم في المقابل التخفيف من هذا القرض المستندي، استجابة لشكاوى العديد من المتعاملين. وأوضح في هذا الإطار بأن الحكومة ستلجأ إلى إضفاء مرونة أكثر في العمل بهذه الوثيقة التي تضمن مراقبة أفضل للواردات، وكشف عن بعض حالات الغش التي اكتشفتها مصالح الجمارك مؤخرا ومنها “حاويات مملوءة بالرمل عثر عليها بميناء الجزائر”، مؤكدا في سياق متصل بأن الدولة لن تحرم الجزائريين من أي شيء، يمكن استيراده، لكنها ستراقب الواردات بصرامة وحزم. في نفس الإطار، أكد السيد سلال بأن الدولة لن تتنازل عن القاعدة الاقتصادية للشراكة، التي تعطي للطرف الجزائري 51 بالمائة، وللأجنبي 49 بالمائة، مبرزا فضل هذه القاعدة في حماية الممتلكات الوطنية، على غرار مركب الحديد والصلب للحجار والذي “كاد أن يضيع عن الجزائر، لولا استعادته الأسبوع المنصرم بالتوقيع على عقد شراكة جديد قائم على اساس قاعدة 49/51”.
لجنة خاصة لدراسة ملف تجريم فعل التسيير وجدد السيد سلال خلال اجتماع الثلاثية ال15 التزام الدولة بحماية إطاراتها، وأشار إلى أن لجنة مختصة سيتم تنصيبها في غضون الشهرين القادمين، لدراسة ملف رفع التجريم عن فعل التسيير ووضع إجراءات من شأنها ضمان حماية الإطارات المسيرة للمؤسسات العمومية. وأوضح في هذا الخصوص بأن رفع التجريم عن فعل التسيير بشكل مطلق لا يعتبر حلا أنسب، في ظل واجب الدولة الحفاظ على المال العام، ولذلك ستتولى اللجنة التي ستنصب قريبا دراسة هذا الملف بشكل يضمن التوازن بين مسؤولية الإطارات المسيرة في حماية المال العام من جهة ومسؤوليتهم في تسهيل النشاط الاقتصادي ودعم الاستثمار، من خلال منح كل الإمكانيات التي تتيحها الدولة للمؤسسات من أجل تطوير نشاطها وترقية صادراتها. وكان الوزير الأول قد أعاب مؤخرا في تدخله أمام ممثلي المجتمع المدني بولاية النعامة، على الإطارات المسيرة للبنوك العمومية، تماطلهم في منح القروض للمؤسسات، بدافع التخوف من فقدان المال العام، معتبرا أنه من غير المقبول اتخاذ هذه المخاوف ذريعة لتعطيل المشاريع ومن ثمة تأخير التطور الاقتصادي.
مراجعة القانون الأساسي ل«أندي” لترقية دورها في المرافقة وفي سياق الحديث عن إجراءات تطهير محيط الاستثمار، كشف الوزير الأول عن مشروع قانون جديد لترقية مهام ودور الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، مشيرا إلى أنه استجابة للانشغال المعبر عنه من قبل العديد من المتعاملين والمستثمرين حول عدم الاستفادة من مرافقة هذه الوكالة، فقد ارتأت الحكومة تعديل القانون الأساسي لهذه الأخيرة، والذي يعطيها حاليا الطابع الإداري ولا يسمح لها بالتدخل في مجال المرافقة والدعم للمستثمرين. وعبر السيد سلال عن تفهمه لانشغال المتعاملين الاقتصاديين، وقدر من جهته بأنه من الضروري جعل “أندي” أداة حقيقية لتطوير الاستثمار، وإبعادها عن الطابع البيروقراطي، داعيا من جانب آخر إلى إسهام كل الفاعلين في محاربة البيروقراطية التي تعد حسبه “العش الذي تنمو فيه الرشوة”. وذكر في هذا الإطار بأن قرار رئيس الجمهورية إنشاء وزارة مكلفة بإصلاح الخدمة العمومية يصب في إطار إرادة السلطات العمومية في محاربة كل الممارسات البيروقراطية. وفي نفس السياق، تناول كل من وزير التنمية الصناعية وترقية الاستثمار، عمارة بن يونس، ووزير التجارة مصطفى بن بادة، في مداخلتهما، أبرز الإجراءات المتخذة على مستوى قطاعيهما لتشجيع النشاط الإقتصادي والتجاري وتنمية الاستثمار، حيث أشار السيد بن يونس في هذا الإطار إلى دراسة وزارته في الوقت الحالي لبعض الإجراءات المتعلقة بتحسين مناخ الاعمال، تشمل إلى جانب تغيير القوانين الاساسية للوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، التشريع المرتبط بالحصول على العقار الصناعي. وذكر في هذا الصدد بأن 63 بالمائة من ضمن 8890 مشروعا استثماريا قامت هذه الهيئة بمرافقته هي استثمارات صناعية، فيما بلغت مشاريع الاستثمار الأجنبي 38 مشروعا، تم تسجيله على مستوى مجلس مساهمات الدولة مما سمح بتوفير 17000 منصب شغل. كما ذكر الوزير بالاجراءات المتخذة لتوفير العقار الصناعي، ومنها إنشاء مناطق صناعية وفق المقاييس الدولية وتعزيز مهام الوكالة الوطنية للوساطة وضبط العقار.من جانبه، تطرق السيد بن بادة إلى ورشة تحديث المركز الوطني للسجل التجاري من خلال رقمنة الملفات وتسهيل عملية وصول المؤسسات إلى الحسابات الاجتماعية للمتعاملين المسجلين في المركز، حيث أشار إلى رقمنة 800 ألف ملف لحد الآن، داعيا ممثلي أرباب العمل للإسهام في جهود إعادة تنظيم الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة وفروعها الجهوية.