أجلت المعارضة السورية اجتماعا كان منتظرا أن تعقده أمس بمدينة اسطنبول التركية إلى بداية الشهر القادم، لتحديد موقفها من مسألة المشاركة في ندوة جنيف الثانية. ووجدت مختلف أطراف المعارضة السورية نفسها، وسط ضغوط دولية ملحة من أجل تأكيد مشاركتها في هذه الندوة، التي راهنت عليها الإدارة الأمريكية وروسيا من أجل إنهاء أزمة سورية دامية. ويبدو أن هذا التأجيل فرضته طبيعة تركيبة ائتلاف المعارضة السورية، التي وجدت نفسها حبيسة خلافاتها الحادة، التي ما انفكت تتأجج على خلفية عقائدية وإيديولوجية وحتى مذهبية، مما صعب عليها اتخاذ موقف واضح من مسألة التفاوض مع السلطات السورية، لإنهاء حرب أهلية لم تعد الأغلبية الصامتة من الشعب السوري تتحمل تبعاتها المأساوية. حتى وإن بررت المعارضة السورية هذا التأجيل بتواجد رئيسها أحمد جربا بالعاصمة البريطانية لندن لحضور ندوة "أصدقاء سوريا" المنتظرة عقدها اليوم، إلا أن ذلك لم يكن في نظر الكثير من المتتبعين مقنعا، على اعتبار أنّ لقاء اسطنبول أمس كان يمكن أن يخرج بقرار مؤيد لفكرة المشاركة في هذه الندوة، التي تؤكد كل التوقعات أن تكون نتائجها حاسمة لتحديد المنحى الذي ستأخذه الحرب الدائرة رحاها في سوريا منذ 31 شهرا. والواقع، أن الخلافات بين أطياف المعارضة السورية لم تعد سرا على أحد، على اعتبار أن المجلس الوطني السوري المعارض أحد أكبر أطراف ائتلاف المعارضة، جهر بما يدور من خلافات وصراع داخل الائتلاف، إلى درجة تأكيده على عدم المشاركة في أشغال هذه الندوة المرتقبة، بسبب عدم تحرك المجموعة الدولية لحماية المدنيين السوريين المحاصرين من طرف قوات الجيش السوري. كما أن التحركات الدبلوماسية العربية والغربية المكثفة من أجل إقناع المعارضة السورية بالتوجه إلى جنيف، جاءت لتؤكد الشرخ القائم في مواقف هذه المعارضة التي طغت الحسابات السياسية والعقائدية على فكرة إنهاء الأزمة من أصلها، من خلال مفاوضات سلام ترعاها القوى الكبرى وبتزكية من الأممالمتحدة . ولم تستبعد العديد من المصادر ذات الصلة بالتحركات الجارية على أكثر من صعيد، من أجل عقد مؤتمر جنيف في موعده، أن ترهن هذه الخلافات كل حظ لتحقيق ذلك. ولم يخف أحمد بن حلي، مساعد الأمين العام للجامعة العربية حجم الصعوبات التي تعترض المعارضة السورية، حتى بالنسبة للوفد المفاوض الذي سيمثلها في المؤتمر. وقال إن "كسر الحاجز النفسي وتجاوز الشكوك بين المعارضة والحكومة حتى يجتمعوا إلى طاولة مفاوضات واحدة، من أهم الصعوبات التي تواجه عقد المؤتمر". والمؤكد، أن اجتماع أصدقاء سوريا بالعاصمة البريطانية اليوم، سيطغى على أشغاله هذا الشرخ المستفحل في موقف المعارضة، التي لم تستطع رغم لقاءات قياداتها من تجاوز خلافاتها التي غذاها حب الزعامة لدى بعضها والتنافر العقائدي القائم بين أخرى. ولا يستبعد أن تضغط الولاياتالمتحدة على هذه القيادات مع الدول العربية الداعمة لها خلال هذا الاجتماع، من أجل توحيد موقفها وقبول فكرة المشاركة في هذه الندوة. وتدرك المعارضة السورية أهمية موقفها، لقناعتها أن لا شيء يمكن أن تفعله أية جهة مهما كان وزنها دونها لحسم الحرب الأهلية المتأججة في سوريا. وهو ما أكد عليه الأخضر الإبراهيمي بالعاصمة المصرية، في أول محطة من جولة شرع فيها إلى دول المنطقة من أجل إقناع كل الأطراف المشاركة في لقاء جنيف الثاني حول سوريا، عندما أكد أن وقف الحرب في سوريا غير ممكن من دون معارضة ذات مصداقية ووزن في الساحة السورية. وهو ما يجعل الكرة في معسكر القوى الداعمة لأطياف المعارضة من أجل الضغط على هذه الأخيرة، لإقناعها بالذهاب إلى جنيف، وهي القناعة التي تكرست لدى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أكد أن الولاياتالمتحدة مطالبة بأن تلعب مثل هذا الدور على معارضة مشتتة.