تعمل العائلات القبائلية منذ الأزل على حماية العادات من الزوال، من خلال ممارستها كل حسب وقتها والحاجة إليها، وهي إرث الأجداد الذي مايزال يرسم معالم الحياة اليومية، ومن بين هذه العادات ”أنزار” التي تلجأ إليها العائلات عند الجفاف، والتي عمدت عدة قرى إلى تنظيمها مؤخرا، خاصة أمام اشتداد الحر. عادة ” أنزار” بمنطقة القبائل نوع من الدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى حتى يسقط المطر، وهو دعاء علمه الأجداد للأبناء الذين ينقولونه بدورهم للجيل الجديد، حيث يتم الاستعانة به عند الجفاف، خاصة أن سكان القرى يعيشون من ممارستهم للزراعة وغيرها، فعدم سقوط المطر ينبئ بسنة كارثية، حيث تكون الحقول جرداء وتواجه التصحر. وفي هذا الصدد، يقول شيخ من قرية تاقونيتس ببلدية آيت يحيى، السيد محند آكلي؛ إن هذه العادة موروثة، يدعو من خلالها السكان الله للاستسقاء، و”أنزار” خاصة بالنساء والأطفال دون الرجال، حيث تختار النساء يوما معينا لإحياء العادة، تشارك فيه جميع نساء القرية، ويتم إشراك الصغار الذين يجوبون المنازل لجمع كل ما يخص تحضير الكسكسي الذي يتناول منه الجميع. وتضيف ”نا علجية” زوجة عمي محند آكلي قائلة: ”أتذكر مشاركتي في إحياء هذه العادة في طفولتي، حيث يتم اختيار أصغر طفلة في العائلة تحمل في يدها ملعقة كبيرة، على هيئة امرأة، وتلبس هذه الملعقة جبة وفوطة، إضافة إلى ”تيمحرمت” والحلي الفضية، تأخذها الطلفة وتنطلق في مقدمة جماعتها من الأطفال الصغار الذين يحملون أكياسا ويجوبون القرية، حيث يطرقون كل الأبواب لطلب الخضر، الزيت، الكسكسي، وكل منزل يجود بما يستطع، وعلى طول الطريق يردد الأطفال عبارة ”أنزار أنزار أربي سويتيد ارازار” وعبارة «أنزار أنزار أربي اسويت ارازار أربي ارزد اغورار يعنايا قما عيشة ادغلين ومان لعشى”، أي بمعنى يطلبون من الله أن يسقي الأرض حتى الجذور وتزهر الحياة في الحقول، وبعد الانتهاء من جمع ما يحتجونه تكون نساء القرية قد باشرت تحضير وجبة الغذاء في منزل مما قدم سكان القرية، ويدعى الكل لتناول الطعام في جو حميمي يسمح للفقير والغني بالجلوس على طاولة واحدة والأكل من طبق واحد. وتضيف المتحدثة أن هذه العادة محببة جدا، كونها تزيد من تقوية الروابط بين الأشخاص وتقضي على النزاعات والخلافات خلال الاجتماع على مائدة واحدة. من جهته السيد أرزقي يقول؛ إن هذه العادة ترتبط ارتباطا وثيقا بالرزنامة الأمازيغية المرتبطة بدروها بموسم الزرع، الحرث والحصد، حيث يشارك إحياؤها في ارتواء الأرض بالماء، مشيرا إلى أن ما تعرفه الأمهات والجدات بمثابة مكتبة مكتنزة يتعلم منها الأجيال.