إبداع مميز وابتكار فني جميل، يحاكي الهمسات الفنية التي تسعى الحرفية التونسية بثينة طرابلسي بوراوي لتطعيمها بلمساتها الخاصة على الحلي التقليدية، وعرضها في أجمل حلة على حواء التي زارت جناح الحرفية في الصالون الدولي للصناعة التقليدية في طبعته ال18، المنعقد حاليا بقصر المعارض بالعاصمة، وأبدت إعجابها الشديد بالتحف الجميلة من صنع المبدعة التي رحبت ب«المساء» في جناحها وحدثتها عن أسرار ولعها بحرفة الحلي التقليدية. لم يكن من الصعب على بثينة الغوص في غمار الحرفة التقليدية، فهي التي ولدت وترعرعت في كنف عائلة حرفية، وتشهد لنفسها فتقول: «تربيت على الذوق الفني الرائع، وأخذت من أفراد عائلتي المبدعين الحس الرفيع وحسن التعامل مع القطعة التي أكون بصدد إتقانها، فلا يخفى عليكم أن الحرفي يرتبط بالشيء الذي يكون بين يديه، لأنه سيكون عصارة فكره وجهده». هكذا اعترفت الحرفية لنا وهي تعدد أمام أنظارنا قطع الحلي التقليدية الجميلة التي تنوعت بين السلاسل الطويلة المطعمة بأحجار نصف كريمة، وأخرى بأحجار الجوهر أو المرجان أو حتى بالعنبر، «هناك نوع من التشابه بين صناعة الحلي التقليدية بين الشعبين الجزائريوالتونسي، فمثلا العنبر في الجزائر يُصنع منه حلي، كذلك عندنا، لكن الاختلاف أن في الجزائر يُقتصر على استعامل العنبر الأسود ، بينما في تونس يستعين الحرفيون بعدة ألوان منه، نظرا لتوفرها، إذ نجد منها البني، الأخضر، الأحمر الداكن والأسود». وتضيف؛ «حاولت في حرفتي الوصول إلى الاختلاف، لكن بالمحافظة على الأصالة التقليدية كما توارثناها، فمثلا عندما أصنع حليا بالفضة التقليدية، لا أكتفي بمجرد صياغتها في قوالب معينة ألفنا ملاحظتها، لكنني أعمل على إضفاء لمستي الخاصة التي ضمنتها في شعار الشركة، وهي «همسات فنية»، فالهمسات يمكنني تلخيصها في الحوار الذي يدور بيني وبين نفسي وأنا أحاول رسم «شخصية» الحلي التي أريد تجسيدها.. حبل الأفكار هذا لا ينقطع، إنما يراودني أينما كنت، حتى أنني كثيرا ما أصنع قطعة حلي، ثم أهمشها لما يقارب الستة أشهر، والسبب راجع لنقص في تفصيل معين لم أتوصل إلى فك طلاسمه، وطوال تلك الفترة أتصارع مع أفكار أخرى لصنع حلي أخرى أو طواقم كاملة، إنني هنا أسعى في سبيل جعل القطع الفنية تظهر بالشكل الذي قد يروق لهذه الآنسة أو تلك السيدة، وأحاول تحديدا الوصول إلى تماشي التصميم مع العصرنة التي تغلف حياتنا من كل الجوانب، لكن انطلاقا من قاعدة الأصالة والتقليدي». رسمت الحرفية بثينة وهي من مدينة سُكرة بالعاصمة تونس، لوحة فنية جميلة في جناحها بقصر المعارض بالجزائر العاصمة، حيث اعتمدت وضع قماش أسود غلفت به كامل الجناح، ثم رصعته بمستطيلات ذهبية اللون علقت عليها قطعها الفنية الجميلة بطريقة توازي عرض اللوحات التشكيلية. وهي الطريقة التي جلبت إليها أنظار الزوار ليس فقط من جنس حواء المولع بالإكسسوارات، وإنما من طرف الرجال أيضا. ومن بين المعروضات الكثيرة، تشكيلة من سلاسل الرقبة أو ما يسمى باللهجة التونسية «الشرْكة»، وفي كل منها لمسة تونسية عربية، حيث تعلق الحرفية فتقول: «صحيح أنني أروّج للفن التقليدي الأصيل، لكنني لن أواكب العالمية إذا بقيت قابعة وراء التقليد ولم أعمل على تطويره، وبالمثل لدى كل حرفي في مجال حرفته». تعتمد بثينة في مشغولاتها الفنية على إظهار الألوان الجميلة للطبيعة في مختلف القطع، خاصة اللون الوردي المحبب لدى جنس حواء «وهي تحديدا لمستي الخاصة التي أعتز بها، وكما ترون يظهر اللون الوردي بكل تدرجاته على كل القطع تقريبا». كما تعتمد في عملها على الفضة، وهي على أنواع؛ منها ما يسمى باللهجة التونسية «الحْليوي»، وهي تقنية تعرفها الحرفية على أنها تقوم على أساس شبك خيوط الفضة بطريقة فنية جميلة للغاية، مما يزيد في جمالية الحلي التقليدية. من جهة أخرى، أثارت «المساء» مع الحرفية إشكالية سرقة الإبداعات، فقالت؛ «هذه إشكالية موجعة لا ندري كيف نواجهها. صحيح أنني وزوجي توصلنا إلى دمغ علامة مسجلة لشركة «همسات فنية» توجد بمختلف قطع الحلي، حيث كتبت بخط عربي أصيل، تأتي على شاكلة قطعة ذهبية، وهو ما يضمن للشركة حقوق التوزيع والبيع، لكن هذا لا يعني أن إبداع الشركة لا يتعرض للسرقة أو القرصنة كما يسمى في عالم التجارة وغيره». وتضيف المتحدثة؛ «الفن مجال واسع، وسعته هذه تضمن لكل حرفي ومبدع ومفكر أن يُطعمه كما يشاء بمنتوجه، لكن للأسف، هناك بعض أشباه الحرفيين الذين يسعون لولوج عالم كله فكر وإنتاج، وأتساءل هنا؛ هل حقيقة السبب يعود لعدم قدرتهم على الإبداع؟ أم أنه سعي عقيم من جهتهم ليكونوا في أمكنة لا تليق بهم؟ وما دامت جريدة «المساء» الجزائرية سمحت لي بالحديث عن حرفتي وإبداعي، فعن طريقها أوجه نداء لكل من يسرق إبداع الغير، أن يبحث في نفسه عن إبداع أكيد مدفون بداخله، يعمل على اكتشافه ويسعى إلى تطويره، والأكيد أنه سيوفق في ذلك». نشير أخيرا إلى تثمين الحرفية بثينة طرابلسي بوراوي مشاركتها في الصالون الدولي للصناعة التقليدية بالجزائر، وهي أول مشاركة لها في بلدنا، كما أكدت أمر وقوفها على الزخم الكبير لتقاليد الجزائر وأعجبت بهذا التنوع الذي يحاكي في معظمه تنوع التقاليد التونسية، مما يعكس حقيقة الترابط بين الشعبين وإرثا ثقافيا وتاريخا موحدا.