ثمّن أعضاء مجلس الأمة أمس التدابير المتضمنة في قانون المالية، الرامية إلى تشجيع الاستثمار والإنتاج الوطني ودعم تشغيل الشباب في مناطق الجنوب، ودعوا، في المقابل، إلى وضع المزيد من الإجراءات الملموسة، الكفيلة بترشيد النفقات العمومية وإخراج الاقتصاد الوطني من التبعية للمحروقات، مع إيجاد الحلول الناجعة للحد مما وصفوه بالارتفاع المذهل لفاتورة الاستيراد. وأعرب أغلب المتدخلين في الجلسة الأولى لمناقشة قانون المالية بمجلس الأمة والتي ترأّسها أمس السيد عبد القادر بن صالح رئيس المجلس، عن ارتياحهم لخلوّ القانون من أية رسوم أو ضرائب جديدة، وثمّنوا احتواءه لإجراءات كفيلة بتشجيع للاستثمار ورفع القيود والعراقيل البيروقراطية، كما نوّهوا بالتحفيزات الجبائية التي أقرها النص لصالح الإنتاج الوطني، وكذا تلك الموجهة لترقية قطاع الفلاحة، فيما أشاد المتدخلون أيضا بالتحفيزات الموجهة لتشغيل الشباب ودعم استثماراتهما الخاصة عن طريق الآليات العمومية. في المقابل، أجمع أعضاء مجلس الأمة على ضرورة إيجاد حلول بديلة عن اقتصاد المحروقات، لا سيما في ظل المخاطر التي يحملها تذبذب السوق النفطية، ودعا بعضهم إلى التركيز على قطاع الفلاحة، الذي يمكن، حسبهم، أن يدرّ موارد بديلة عن تلك التي يوفرها قطاع المحروقات، فضلا عن كونه يضمن للجزائر تحقيق الأمن الغذائي، في حين أبرز البعض الآخر أهمية ترقية القطاع السياحي، وجعله محركا أساسيا للاقتصاد الوطني، لا سيما في ظل ما تتوفر عليه البلاد من موارد طبيعية متنوعة. وركزت مداخلات ممثلي الشعب في الغرفة البرلمانية العليا، على الدعوة إلى الحد من فاتورة الاستيراد التي قد تصل إلى مستوى 60 مليار دولار مع نهاية العام الجاري. ولم تتوان عضو المجلس السيدة زهية بن عروس في هذا الإطار، عن مطالبة الحكومة باعتماد سياسية التقشف، معتبرة ذلك "واجبا لترجيح كفة التصدير على الاستيراد وتشجيع الإنتاج الوطني". أما السيناتور عبد القادر قاسي، فذكّر في مداخلته بتحذيره، في وقت سابق، من خطر انتشار الأمراض المتنقلة عن طريق المياه، مقدرا بأنه لم يتم أخذ تحذيره بعين الاعتبار؛ من خلال وضع مخططات استعجالية لما أوقع داء الملاريا ضحايا جزائريين.. واقترح المتدخل على الحكومة التفكير في وضع مشروع قانون الجباية المحلية، من شأنه أن "يحرر بشكل فعلي ال70 بالمائة من البلديات التي تعاني ضيقا ماليا، يعيقها عن تنفيذ المشاريع التنموية". كما شدّد على ضرورة التفكير في الطرق الناجعة للقضاء على ظاهرة التهريب، مشيرا إلى أن هذا المسعى يستدعي "تحرير كل الأسعار المدعمة، واعتماد صيغة بديلة لدعم العائلات ذوي الدخل الضعيف والمتوسط". وبالمناسبة، حيّى السيناتور قاسي قرار الحكومة بتطبيق حق الشفعة على شركة خاصة، كانت ستباع لأحد المتعاملين الخواص؛ في إشارة إلى مؤسسة "ميشلان" لإنتاج العجلات، التي كانت ستتحول إلى المتعامل المالك لشركة "سفيتال"، مستنكرا في الوقت ذاته، لجوء هذا المتعامل إلى "التفنن في اتهام الحكومة عبر وسائل الإعلام". ولم تخلُ مناقشة أعضاء مجلس الأمة لقانون المالية، من الانتقادات الموجهة لضعف جانب التطبيق للسياسات السابقة المعتمَدة من قبل السلطات العمومية، والتي لم تحقق غاياتها المرجوة، حيث أشار العديد من المتدخلين في هذا السياق، إلى استمرار سرطان البيروقراطية رغم جهود الدولة لاستئصال هذه الظاهرة السلبية. واعتبر البعض ما أُنجز من مشاريع في الميدان، لا يعكس ضخامة الموارد التي تخصصها الدولة للبرامج التنموية، بدليل أن البلاد لازالت رهينة الجباية البترولية، في ظل التهديدات التي تحملها اضطرابات الأسعار وتراجع صادرات الجزائر من المحرقات. وللإشارة، يتوقع نص قانون المالية لسنة 2014 والذي عرضه وزير المالية السيد كريم جودي أمام أعضاء مجلس الأمة، ارتفاعا بنسبة 10,4 بالمائة في إيرادات ميزانية الدولة مقارنة ب2013، لتبلغ 2 ,4218 مليار دينار، فيما تقدَّر النفقات ب2 ,7656 مليار دينار. ويقدَّر العجز الإجمالي المتوقع للميزانية ب3438 مليار دينار؛ أي ما يعادل 18,1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. كما يتوقع القانون نسبة نمو إجمالية عند 4,5 بالمائة، و5,4 بالمائة خارج المحروقات، بينما يتوقع تراجعا في نسبة التضخم إلى 3,5 بالمائة خلال العام المقبل. وكان المجلس الشعبي الوطني قد صادق بالأغلبية على مشروع هذا القانون قبل نحو أسبوعين.