لا أعتبر نفسي كفيفا وأتطلع إلى تحصيل شهادة الدكتوراه في الأدب لا يجد مطلقا مشكلة في الاندماج الاجتماعي... شعاره في الحياة؛ التحدي لبلوغ النجاح، لا يعترف بالمستحيل.. يتطلع لأن يكون أفضل من أساتذته بتحصيل دكتوراه في الأدب العربي. نتحدث عن الشاب الحيوي المرح عبد الرؤوف بكرون، طالب بجامعة الجزائر “2”، تخصص أدب عربي، الذي تمكن بفضل شخصيته القوية وفرض احترام الآخرين له من أسر قلوب كل من عرفوه. ينحدر عبد الرؤوف من بلدية شلية، دائرة بوحمامة بولاية خنشلة، من قرية نائية وفقيرة، ولد كفيفا غير أن حضن أمه الدافئ كان خير حافظ له، رغم أن كل المحيطين بها دعوها إلى إلحاقه بالمراكز المتخصصة والتخلي عنه، ويوم بلغ سن التمدرس، اتفق أبواه على حرمانه من هذا الحق خوفا عليه من التعرض لصعوبات كبيرة كان يتكبدها باقي إخوته بغية التمدرس، غير أنهم تسرعان ما تراجعا عن قرارهما أمام إصرار عبد الرؤوف على طلب العلم، ورغم كل العراقيل التي واجهته، التحق بالمدرسة الخاصة بالمكفوفين وفي وقت قصير تمكن من إتقان لغة البراي في ظرف شهر، وبعد أن تمكن بجدارة من إنهاء جميع الأطوار التعليمية بتفوق، يدرس اليوم في الجامعة، شأنه شأن أي طالب آخر، بعد أن حاز البكالوريا بتقدير جيد، حيث يقول: “كنت أطمح إلى دخول المدرسة العليا للأساتذة وبعد أن صدر القانون الذي يمنع المكفوفين من التدريس، التحقت بكلية الأدب وأعتبر اليوم نفسي طالبا مدللا يحبه الأساتذة والطلبة، بفضل تفوقي، اجتهادي وقدرتي الكبيرة على تحدي كل ما يمكن أن يعيق نجاحي”. وحول بعض الصعوبات التي وقفت عائقا أمام تقدمه، يقول: “في كل مرة كانت تصادفني عبارة (زعما تقدر) وهي الكلمة التي تثير حفيظتي، لأن بعض الأشخاص كثيرا ما يلقون بأحكام على غيرهم دون أن يعرفوا قدراتهم، فمثلا ببعض الأطوار التعليمية كان بعض المديرين أو المعلمين يرفضون فكرة التحاقي ببعض المؤسسات التعليمية من منطلق أنني كفيف، بالتالي لا ينتظر مني أي شيء، لكن في كل مرة كنت أرفع التحدي وأثبت لمن يشك في كفاءتي أنني قادر على تحقيق ما لم يتمكن منه أي بصير، بدليل أنني تفوقت على المبصرين بجدارة في الطور الثانوي، حيث كنت الأقدر على فهم مادة الفيزياء رغم أن العلم أثبت أن الكفيف لا يملك قدرة على إدراك الرسومات وعناصر الذرة، غير أنني أثبت العكس.. يشتكي العديد من المعاقين عموما والمكفوفين تحديدا، من صعوبات الاندماج بالمجتمع، غير أن عبد الرؤوف لم يواجه أية مشكلة في هذا الشأن، رغم الحواجز التي أعاقته، إذ يقول: "ببساطة أتحدى أي شيء يعترضني لأثبت وجودي من جهة، وأغير نظرة المجتمع نحو الكفيف بأن أثبت أنه بإمكاننا القيام بالكثير، يكفي أن تمنح لنا الفرصة”. يدرس عبد الرؤوف اليوم في الجامعة ويتكبد عناء التنقل إليها بمفرده، كما يحب الاعتماد على نفسه، إذ يقول: “أطمح إلى بلوغ دكتوراه في الأدب، ويعلق: “تأثرت كثيرا بأساتذتي، وحبا فيهم أرغب في التفوق عليهم بالدكتوراه، لأكون واحدا من الذين يكتبون أسماءهم من ذهب في تاريخ العظماء”. حب عبد الرؤوف لمادة الأدب العربي جعل موهبة الشعر تنفجر بداخله، فراح يكتب بعض القصائد الشعرية التي يعبر من خلالها عما يحيط به من مشاكل أو أزمات تعيشها الجزائر أو الدول الشقيقة، ومنها تأثره بالشهيد محمد الدرة الذي توفي بين يدي والده، الأمر الذي دفعه إلى كتابة قصيدة تحت عنوان؛ “صرخة فلسطين”، وقصيدة “صوت الحجارة” التي شملت تاريخ القضية الفلسطينية، وقال: “أحب في الشعر الجاهلي أمرؤ القيس، ومن شعراء صدر الإسلام؛ حسان ابن ثابت، وفي الشعر الحديث شاعرنا العظيم مفدي زكريا وأحمد شوقي". يصف عبد الرؤوف نفسه بالاجتماعي، بينما يصفه زملاؤه بالظاهرة.. يرفض اعتبار نفسه شخصا كفيفا ويقول: “أطمح إلى إرسال والدي إلى البقاع المقدسة لأداء مناسك الحج والعمرة حتى أرد لهم على الأقل جزءا بسيطا من المشقة التي واجهاها في سبيل حمايتي”.