لم يؤثّر حرمان نعمة البصر على الطّالب محمّد راهم في مواصلة تحصيله العلمي، حيث استطاع أن يتحدى عقبات كثيرة في حياته، توجت بفوزه في شهادة البكالوريا بمعدّل 15.70 في شعبة الآداب والفلسفة بثانوية فارس الطاهر ببئر العاتر ممّا أهّله لأن يحتلّ المرتبة الأولى وطنيّا في شريحة المكفوفين . النصر تنقّلت إلى بيت محمد راهم بحي الجمارك أين وجدت العائلة تعيش أروع وأمتع وأجمل أيامها بمناسبة نجاح ابنها ، وقد سألنا الطالب محمد عن انطباعه وهو يتحصل على شهادة البكالوريا بهذا المعدل المرتفع فأجابنا أنه يحمد الله ويشكره على توفيقه لأن يكون الأول وطنيا لدرجة أنه بكى من شدة ما تفضّل الله تعالى عليه من هذه النعمة . واعتبر نجاحه ثمرة لسنوات طويلة من الجهد والعمل المضني خاصة إذا علمنا أن محدّثنا أثبت في طفولته كفاءة شديدة في دراسته، إذ تفوق على أقرانه في المدرسة، واحتل المراتب الأولى في امتحانات الأطوار الثلاثة . وفي كل مرحلة كان أبواه يفتخران بإبن تحدى إعاقته بمزيد من النجاح في دراسته. والتحق محمد بالثانوية واختار شعبة الآداب والفلسفة لما لمسه في نفسه من حبّ كبير للغة الضّاد التي يعشقها إلى حدّ النخاع ويفضّل دائما التحدث بها مع أترابه وأساتذته ، وطوال سنوات الدّراسة لم تترك ذهنه ولو للحظة تلك المقولة التي تعلّمها في المدرسة وظلّت راسخة في ذهنه ألا وهي : « الرّجال صنفان ، صنف تصنعه الظّروف ،وآخر يصنع هو الظّروف « ، لقد ردّد هذه المقولة كلّما تعثّرت قدماه ،أو كلما اشتاق إلى بصيص من النور يضيئ له طريقه قليلا ، وربما كان هذا سببا في أن يفكر بعد حصوله على شهادة البكالوريا في أن يكمل دراسته الجامعيّة، حيث يطمح إلى الوصول إلى مناصب النفوذ ومنها يعمل على تطبيق سيّاسة التغيير التي يتوق إليها ويتمنّى تجسيدها ،حتّى وإن لم يفصل لحد السّاعة في اختيّار أيّ فرع ، واعتبر عمليّة الاختيّار أمرا يحتاج إلى تفكير عميق ودراسة متأنيّة حتى لا يندم بعد ذلك لأنه خيار المستقبل كما قال . وبشأن الطلبة الذين لم يسعفهم الحظ في النجاح هذا العام فهو ينصحهم بعدم الاستسلام لليأس ، ولا بد عليهم من الوقوف على أسباب الفشل لتفاديها مستقبلا ، والاجتهاد والتركيز طوال أيام العام الدراسي ، وفي ختام هذا اللّقاء أبى ضيفنا إلاّ أن يهدي نجاحه بالدّرجة الأولى إلى والديه الكريمين خاصة والدته الكريمة وإلى أساتذته الأفاضل جميعا وإلى الطّاقم التربوي والإداري وكل العاملين بثانويّة فارس الطّاهر دون أن ينسى أصدقاءه وزملاءه في الدّراسة والذين قدّموا له مساعدات جمّة وفوق ذلك أغدقوا عليه حبّهم وتقديرهم واحترامهم ، شاكرا في الوقت نفسه جريدة النصر التي فتحت له صفحاتها واحتضنته بكل حبّ من خلال اللّقاء الذي أجرته معه قبل شهور والذي كما يقول محمد راهم رفع من معنويّاته وأتاح له فرصة الانتشار خارج حدود بئر العاتر أين تعرّف القرّاء حينها على محمد راهم الكفيف المبدع الذي يعزف على البيانو ويقول الشّعر .