غازل سقف المركّب الثقافي "الأطلس" المفتوح، أديم سماء الجزائر لتعلمها أنّ سهرة يوم الأربعاء الماضي شاهدة على استعادته لألقه وتميّزه بعد سنوات من الترميم والتجديد، فكان يوم الإعلان هذا يوما للتغني بالجزائر ولحظة استرجع فيها العاصميون مجد قاعتهم التي مرّ على ركحها العمالقة، لكن هذه المرّة برداء جديد خيوطه منسوجة بالتكنولوجيا العالمية. علا نشيد "قسما" عاليا سهرة الافتتاح ليخبر كلّ من في مركّب "الأطلس" وما جاوره، بأنّ الجزائر استرجعت وحدة من معالمها الفنية وركائزها الثقافية التي تؤكّد على تميّز الجزائر الثقافي والحضاري ومسايرتها للعالمية بخطى ثابتة، فهي كما قال الشاعر عزّ الدين ميهوبي "نفحة المجد والكبرياء.. ما حلّ عسر بها أو ضاق متّسع، إلاّ ويسر من الرحمان يتلوه". المركّب الثقافي "الأطلس" طوّقته أطياف موسيقية جزائرية وكلمات راقية تخلّد الجزائر المحروسة، وتصرّ على أنّ موطنها الجمال والحلم الدائم وعماد السفر المستمر إلى عوالم الحبور والإبداع، والجزائر كانت ولا تزال "مبعث البهجة في النفوس، وراسمة الابتسامات". التقت النسائم بأريج ياسمين الجزائر لتتغنى أصوات أبنائها من الفنانين بكلّ ما هو جميل، وترسم تفاصيل حلم جميل بألوان بهجوية، فمع كل حركة للمايسترو الشريف قرطبي تطلق المعزوفات العنان لخيوطها لتنسج قصيدة موسيقية على شرف "الجزائر"، وتنطلق الأصوات الجزائرية للتغزّل حينا والمناجاة حينا ودعوة الخالق حفظ الجزائر أحايين كثيرة صوات الجزائرية. الحفل الذي حضرته وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي، تضمّن فقرات غنائية أمضاها محمّد "ك. جي2 ، الذي أرجع الساهرين إلى جزائر الثمانينيات من خلال أغنيتها الرائجة آنذاك "عاصمة عزيزة عليّا"، حيث توقّف فيها عند الشبيبة، هواياتهم و"الهوليغانس"، عند ابن عكنون "لا تشيشي" والمرسيدس، وكذا عند "باب الوادي الشهداء"، "رميلة لعواد" و"يمات زمان". "يا دزاير زينك سلب عقلي وسكانك زادو لبهاك حسان"، هي الرسالة التي حملها معه سيد أحمد قوطاوي من مستغانم إلى مدينة سيدي عبد الرحمان، ليؤكّد كمال الحراشي في وصلته على أنّ الجزائر كانت ولا زالت أميرة البلدان حين غنى: " يا دزاير يا أميرة البلدان، اشحال فيك من جدعان.. في وسط الجزاير وردة ممشوقة، يا البيضا، يا الغنجة، يا بلاد الإسلام، من شافك مرّة من بهاك ما يبرى"... وتلته في الافتخار بالجزائر طاوس أرحاب التي قدّمت أغنية العميد شريف خدّام "ألداير أن شا اللّه أتحلو"، مترجية اللّه أن تعيد الأيام الملاح وان تخفّ الشدّة ويعود كلّ من غاب عنها وفارقها على أحضانها الدافئة.. وسار الحسناوي أمشطوح في نفس الدرب حين قاسم الحضور أقدس أمانيه في "شاي للّه يا الدزاير"، ولأنّها بؤبؤ العين، بهجة المدائن وجوهرة المتوسّط، صدح سمير تومي ل"يا بلاد عبد القادر، يا البهجة"، واستحضر مصطفى قروابي إحدى أجمل أغاني الحاج الهاشمي "يا هاتف لك العنوان، كلّمني الوطن الحبيب"، وما كان الوطن الحبيب سوى "الجزائر زينة البلدان"... وتواصل الحفل المقام بمناسبة افتتاح المركّب الثقافي "الأطلس" على الفنان القدير محمّد العماري، الذي لم تفقده الأيام حيويته ولا قوّة صوته عندما قدّم "جزائرية"، وسلّم المشعل لكلّ من نادية بن يوسف، جمال علام، عبد القادر شاعو، نصر الدين شاولي والشاعر الشعبي ياسين أوعابد. وللتذكير، فإنّ "المساء" كانت السباقة إلى زيارة "الأطلس" أياما قلائل قبل افتتاحها، ونقلت للقرّاء اللمسات الأخيرة التي شهدها هذا المركّب الثقافي الذي يضمّ قاعة عروض كبيرة بطاقة استيعاب تقدّر ب2500 مقعد، قاعة متعدّدة ب350 مقعدا وكذا جناح موجّه للفنانين يتوفّر على مقصورات وكلّ الظروف الملائمة والمساعدة لتقديم الأفضل، إضافة إلى جناح إداري لتسيير المركّب، كما تتميّز قاعة "الأطلس" بتقنية السقف المفتوح الذي جدّد عن آخر وأعيد فتحه وتشغيله بعد 30 سنة من التوقّف. عمر القاعة يقارب القرن ومبنية على بعد 500 متر من البحر، وهو ما استوجب ترميمها وبالتالي لم تعرف "الأطلس" إعادة التهيئة ولكن أيضا الترميم والتجديد، حيث تمّ ترميم وتجديد جميع البنى التحتية القديمة للقاعة التي تضرّرت بفعل العوامل الطبيعية والوقت، علاوة على إعادة تأهيل القاعة كما تمّ اتّخاذ جميع الإجراءات الأمنية من حيث تأمين شبكات الكهرباء، نظام الحرائق ومنافذ الخروج والنجدة تمّ تجديدها كلية وتقييسها بالمعايير العالمية. وزارة الثقافة المشرفة على المشروع، استعانت بخبرات جزائرية مائة بالمائة، بداية من مكتب الدراسات إلى مؤسّسات التجديد والتهيئة، والخبرة الأجنبية الوحيدة التي تمّ الاستعانة بها كانت في مجالي تجهيزات الإضاءة والصوت، وتمّ في هذا الإطار الاعتماد على أكبر محترفي المجالين في أوروبا وهما "أ.دي. بي" البلجيكية في الإضاءة، و"كلارسون" التي تعمل مع "سانهايزر" الألمانية في الصوت، أمّا عن الميزانية الإجمالية التي تطلبها مشروع إعادة ترميم وتأهيل قاعة "الأطلس"، فبلغ 800 مليون دج.