عرض الرئيس الكوبي، راؤول كاسترو، على الولاياتالمتحدة طي صفحة الخلاف والصراع الإيديولوجي وفتح أخرى جديدة تنهي 55 عاما من الجفاء الدبلوماسي الذي جعل جزيرة الحرية في قائمة المغضوب عليهم لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ أزمة صواريخ خليج الخنازير سنة 1961. ويبدو من الوهلة الأولى أن هافانا بدأت تبدي ليونة في موقفها إزاء غريمها الشمالي في موقف يمكن اعتباره بمثابة تحول في الموقف الكوبي الذي يبدو أنه بدأ يتكيف مع معطيات الواقع الدولي والتحولات التي عرفها عالم ما بعد الألفية الثالثة وانحصار دور الإيديولوجية في رسم سياسات دول العالم. ولكن الرئيس الكوبي حرص على التأكيد أن الدعوة التي أطلقها لا تعني استكانة أو تراجعا في مواقف بلاده عندما حرص على التأكيد أن الادارة الأمريكية مطالبة إن هي قبلت بعرضه أن تحترم استقلالية النظام السياسي الكوبي ومنطلقاته الإيديولوجية. وفي حال رفضت واشنطن مثل هذا العرض الجريء إذا أخذنا بدرجة العداء التي طبعت العلاقات بين هافانا وواشنطن فإن كاسترو شدد التأكيد أن كوبا قادرة على الصمود 55 عاما أخرى في وجه الهيمنة الأمريكية والحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ خمسة عقود.وقال الرئيس الكوبي إن ”هافانا لا تريد سوى حوار يتم في إطار الاحترام المتبادل بندية مقبولة من الجانبين ودون المساس بسيادة واستقلال الأمة الكوبية”. ودعا البلد الجار إلى ”تعلم احترام اختلافاتنا بشكل متبادل والتعود على العيش في سلام معها”. وإذا سلمنا بأن عودة العلاقات بين الجارتين العدوتين ليست يوم غد، فإن ذلك لا يمنع من القول بأن ذلك يبقى أمرا واردا جدا على اعتبار أن الدبلوماسية هي فن الممكن وكل قطيعة مهما تعمقت أسبابها تبدأ عادة بتصريح أو مصافحة أو رسالة تهنئة أو حتى برقية عزاء. ولذلك، فإن المصافحة التي تمت بين الرئيسين راؤول كاسترو وباراك اوباما بملعب سوكر سيتي بمدينة سويتو بجنوب إفريقيا بمناسبة تأبينية الرئيس الراحل نيلسون مانديلا لم تمر دون أن تثير سيلا من ردود الأفعال التي سارت جميعها في تغليب احتمال أن تكون الدردشة بين الرئيسين حتى وإن كانت قصيرة فإنها ربما ستكون عاملا مساعدا في تليين المواقف وعودة الدفء إلى علاقات جامدة منذ سنة 1959 تاريخ فرض الرئيس فيدال كاسترو النظام الشيوعي على بعد أميال من أكبر دولة رأسمالية وفي عز الحرب الباردة. ويتذكر العالم أن زيارة فريق أمريكي لكرة تنس الطاولة إلى الصين سنة 1971 كان كفيلا بأن تعيد الإدارة الأمريكية النظر في موقفها تجاه بكين وتعترف بجمهورية الصين وتقيم علاقات دبلوماسية معها. وإذا أخذنا بهذه التجربة فإن العداء الامريكي الكوبي لن يكون أبديا وأن تصريحات ”إيجابية” من هذا الطرف أو ذاك كلها عوامل تسير في اتجاه مراجعة البلدين لمواقفهما تجاه بعضهما البعض. وهو الاحتمال الوارد جدا في ظل التحولات التي يعرفها العالم والذي لم يعد يؤمن بالإيديولوجية كعامل في الصراع بقدر ما أصبح يأخذ بالمصالح الاقتصادية والمنفعة المتبادلة بين الدول.