يتزيّن رواق ”حسين عسلة” بالعاصمة، بلوحات زيتية تكاد تكون قطعة من روائع المدرسة الفنية الإستشراقية التي سجّلت التراث الجزائري في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ميلاديين حيث فتح المجال لرحلة نحو زمن جميل بأصالته ويومياته التي هي جزء من تاريخ وطن وترجمة لهوية وثقافة شعب. أضيئ الرواق بألوان الفرح والحياة التي تداخلت في مراحل كثيرة مع الضوء الذي تعكسه أشعة شمس الجزائر لتبدو التفاصيل أكثر في تناغم كامل مع الموضوع العام للوحة، والمعرض الذي يوقّعه الفنانان شرياط عبد القادر وجحلاط أحمد من منطقة معسكر إلى غاية 10 جانفي القادم، يحمل الكثير من الحنين لزمن جميل ولعصر ذهبي عاشه تراثنا الوطني بشكل عام. حرص هذان الفنانان على استنطاق هذا التراث ليحكي بنفسه على ما مضى من عمره في سجل تاريخنا بلمسة جمالية راقية بعيدا عن أية تأويلات، إذ أنّ اللوحات لا تحتاج لقراءات غير تلك الظاهرة فيها فالمشهد متكامل فهو قطعة من الواقع ولا يحمل أية مواقف أو رؤى فلسفية. بالنسبة للفنان جحلاط أحمد، فإنّ غالبيتها من الحجم الكبير بأطر ذهبية فخمة تتصدّر بهو المعرض الذي بدا وكأنه متحف، وأولى اللوحات المعروضة لأحمد كانت إعادة لإحدى لوحات ديني وتمثل صبيا أسمرا يحمل بطيخة في زمن الصيف يرتدي ”قندورته” الملونة ولا يهتم سوى بما يحمل وكأنه يحمل كنزا، واللوحة كانت إلتفاتة من ديني نحو عالم الطفولة في الجزائر. تتوالى اللوحات لتظهر الطفولة مجددا من خلال صبية يجتمعون أمام مدخل بيت جميل بالقصبة بزيهم التقليدي هم يتحدّثون تماما كالكبار، وتظهر القصبة مجدّدا في سنوات عزّها وتظهر معها المرأة الجزائرية الأصيلة التي تسير في أزقتها بأمان وفخر وهي ترتدي أجمل ما عندها من الحايك، العجار، السروال المدور والحذاء المطرز، ونفس اللباس ترتديه صغيرتها التي ترافقها. يحرص هذا الفنان على إظهار المعالم العمرانية لمدينة القصبة وضواحيها منها ”دار مصطفى رايس” في لوحتين حيث تعرض قيمتها المعمارية الراقية المزينة بالإخضرار يجلس أمامها شيخ وعجوز وكأنّهما في حال إنتظار ربما إنتظار صاحب الدار الذي كان من الأعيان. معالم أخرى يرصدها الفنان منها السوق الشعبي وسوق المدينة الذي تحضر فيه المرأة والعائلة عموما لتنتقي ما طاب من الفواكه والتوابل ومختلف أنواع الألبسة والزينة، وتحضر أيضا الحرف منها حرفة ”الحلاق” الشعبي والذي يحلق للزبون وهو جالس على سجادة مفروشة أرضا وبأدوات تقليدية وخارج المحل أو الدار. تظهر أيضا الكتاتيب وما أدّته من دور في تعليم أبناء الجزائريين، علما أنّ نفس هؤلاء الجزائريين وككلّ شعوب الأرض كانوا محبين للفرح والمتعة ليبدو ذلك في لوحات الفانتازيا وجلسات الدومينو الشعبية والتي أبدع الفنان في تجسيدها. أمّا الفنان شرياط عبد القادر، فقد اعتمد أسلوب المدرسة الانطباعية في لوحات متفاوتة الحجم تناولت بدورّها موضوع التراث الوطني إبتداء من الفروسية إلى الكتاتيب إلى مواسم الحصاد والحضور المميّز للمرأة فيها مع وقفة خاصة في المروج والسهول والقرى وواحات الصحراء، حيث يستمتع الفلاحون بأوقاتهم خاصة أثناء الجني وفي أوقات الزوال إذ تنصب جلسات القهوة والشاي. تتميّز لوحات عبد القادر بتجاوز بعض التفاصيل في اللوحة وإخفاء ملامح الوجه خاصة العينان، كما تختفي تفاصيل لتترك مكانها لمشهد آخر تركّز عليه الريشة منها مثلا سباق الفانتازيا الذي يظهر فيه الفنان الفارس الفائز وهو يستعرض بسلاحه ليختفي وراءه باقي الفرسان وذلك بفعل الغبار الذي تتسبّب فيه حركة الخيول. رسم هذا الفنان أيضا الطبيعة الميتة بلمسة جزائرية خالصة حيث يظهر الورد المنتقى من حقولنا وهو يزيّن المزهريات التقليدية وغالبا ما يكون بألوانه الطبيعية وداخل بيوت قليلة الإضاءة مما يخلق جوا من الرومانسية والسكون، وهكذا تتوّالى الألوان الزاهية والإضاءة الطبيعية عبر أكثر من 40 لوحة زيتية لتبدو في تسلسلها وكأنّها شريط مصوّر عاكس لبيئة ولطبيعة فاتنة لها مكانها في وجداننا الجماعي وفي ذاكرتنا كما أنّها أمل ينتظر أن يتحقّق يوما ما. للإشارة، فإنّ شرياط عبد القادر متخرّج من مدرسة الفنون الجميلة بوهران، ومتحصّل على شهادة عليا في الرسم وعلى شهادة من مدرسة الفنون الجميلة بالعاصمة، قدّم العديد من المعارض بالعاصمة، وهران، سعيدة، معسكر وغيرها، بالنسبة لأحمد فمتخرج من مدرسة الفنون الجميلة بوهران، وله العديد من المعارض عبر مختلف أنحاء الوطن وفي تركيا. في حديثه ل«المساء” أشار أحد المسؤولين عن المعرض إلى أنّ الجمهور الزائر متفاعل ويأتي باستمرار حيث بلغ عدد الزائرين في اليوم الأول من الأسبوع حوالي 57 زائرا منهم الأجانب الولعين بعالم الريشة، إضافة إلى أنّ موقع الرواق يساعد في زيادة الإقبال. للتذكير، فإن اللوحات عرضت للبيع حيث يتراوح ثمنها بين 60 ألف دينار و13 ألف دينار.