تعدّ مدينة البليدة، من أعرق المدن الجزائرية التي شهدت مراحل كثيرة عبر التاريخ، قد يتساءل الكثير عن سر تسمية مدينة البليدة، والبعض الآخر يتطلع لمعرفة اللقب الذي أطلق عليها “مدينة الورود”، ناهيك عن تاريخها إبان الاستعمار الفرنسي، فعلى بعد أربعين كيلومتر تقريبا جنوب العاصمة الجزائر، تستقبلك هذه المدينة التي تحتضنها جبال الشريعة فتبدو كعروس في موكب زفافها فرحة وخجولة. وتبقى ولاية البليدة كباقي المناطق الجزائرية التي وقفت في وجه الاستعمار الفرنسي الغاشم، فسكانها حاربوا الاستعمار الفرنسي تحت قيادة الأمير عبد القادر، وتمت بيعته في قصر محي الدين، وخلال الثورة التحريرية، حيث زارها قادة الثورة التحريرية، منهم مصالي الحاج، عبد الحميد بن باديس عند افتتاح مسجد “الإصلاح”، العقيد سي لخضر وأحمد بن بلة، الطيب العقبي، محمد البشير الإبراهيمي، الرئيس هواري بومدين وفي الأخير زارها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وعشرات الوزراء.
وردة سحرت قلوب الزائرين ”البليدة الوريدة” أو “البليدة مدينة الورود” هما لقبان أطلقا على مدينة البليدة، وسر تسميتها البليدة الوريدة يعود الفضل فيه إلى سيدي أحمد بن يوسف الذي قام بزيارة سيدي الكبير وأعجب بروعة طبيعة المدينة وذهل لما رأى في هذه المدينة من اخضرار يسحر القلوب ويبهج النظر وكذا جداول المياه والأزهار والورود المنتشرة في كل مكان مختلفة الأشكال والألوان تملأ رحب المدينة، فاقترح عليه التسمية الجديدة للمدينة فبدل أن تعرف بالبليدة أي البلدة الصغيرة بالوريدة ومعناه “الوردة الصغيرة” وصارت تعرف بها وميزة خاصة بها... لمدينة البليدة تاريخ عريق في الذاكرة الوطنية ويعود تحديدا إلى سنة 1535 تاريخ تأسيس هذه المدينة من طرف الرجل الصالح والمهندس “سيد أحمد الكبير الأندلسي” الذي أتى من الأندلس سنة 1519 يحمل لمسات أهل الأندلس الفنية في البناء والعمران، فلما وجد الطبيعة الخلابة والإمكانيات التي تزخر بها راعه حال العمران الموجود حينها فأعطاها صبغة أندلسية في بناء البيوت، الحمامات، المحلات والقصور.
قصة الأبواب السبعة هذه الأبواب التي تغنّت بها أجيال زادت مدينة الورود جمالا وسحرا، فأوّل هذه الأبواب وأكثرها شهرة هو باب الجزائر أو باب “الدزاير”، وموقعه في الطريق المؤدية للجزائر وكان من الأبواب الأربعة الرئيسية للمدينة سابقا وكان يفتح مع الفجر ويغلق هو استثناء مع آذان العشاء، الباب الثاني هو “باب الرحبة” وسمي كذلك نسبة لساحة السوق الرحبة، كما كان موقعه قريبا من الجبل حتى يتمكّن ساكنو المناطق المحاذية للمدينة من اللقاء والتجارة وتبادل السلع فقد كان ملتقى “للجبايلية” ليقدّم كلّ واحد محصوله الزراعي ويباع في باب الرحبة الذي مازال سوقا ذائع الصيت ليومنا هذا في البليدة المتيجة ككل. «باب السبت” كان بدوره سوقا قبل أن ينقل لسوق الشفة عام 1855 وحوش السمارة وكان يفتح من السبت إلى السبت وكان يضم متسوّقين من كلّ الجهات، ونجد أيضا “باب الزاوية” وعرف كذلك نسبة لزاوية لسيدي محجر ولم يكن هذا بابا رئيسيا وكان يغلق مع المغرب، أمّا الباب الخامس فهو “باب الخويخة” ويعتقد الكثير أنّ هذا الباب سمي كذلك نسبة للخوخ لكن هذا معتقد خطأ لأنّ المنطقة لا تعرف بالخوخ وإنما بالحمضيات، لكن أصل هذه التسمية تركي ذلك لأنّ كلمة “الخويخة” تعني “الباب الصغيرة” وفعلا كانت هذه الباب تشبه الفتحة وليست بابا لمدينة كما هو متداول، وكذا الأمر بالنسبة ل “باب القصبة” فهو بدوره فتحة تؤدي لتراب سيدي يعقوب ومنها إلى الجبل وهو باب من قصب، وباب القبور سمي كذلك نسبة لمقبرة المسيحيين التي كانت موجودة بمحاذاته لكن بعد الاحتلال وتحديدا سنة 1869 هدمت أجزاء من هذه الأبواب وغيّرت السلطات الاستعمارية منها الكثير وعلت بعض الأسوار بأربعة أمتار ولم يبق من الأبواب إلاّ أربعة أبواب لم تلبث بدورها أن زالت مع مرور السنوات، لكن ما حافظت عليه سلطات الاحتلال هو مهرجان الورود السنوي الذي كان يحتفل به مع مقدم الربيع ورسّم كمهرجان سنوي ابتداء من سنة 1900 وكان يقام بساحة التوت حاليا وكان الفرنسيون يحيون هذا العيد بنصب كشك خشبي في الساحة ليكون مسرحا للفرقة الموسيقية ويتم تزيين الساحة بالورود وتخصص للرقص وكان الجزائريون يمنعون من هذه الاحتفالات المخصصة للمعمرين الذين كانوا يتبارون فيما بينهم من حديقته تطرح ورودا أجمل.