صار من الصعب بمكان تطهير عاداتنا في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، من براثن المفرقعات وعدوانية الألعاب النارية، التي سرت كالنار الحقيقية في الهشيم، فأكلت ”السمين” وتركت لنا ”الغث”، نستعرض به معاني الاحتفال في صورة أبعد ما تكون عن الحقيقة. هو واقع يجب ألا نُنكره، وصورة تزداد قتامة، يتعين المحافظة على ألوانها الحقيقية، حينما صارت ”الشيطانة” و«البومة” و«المرڤازة” وغيرها من أسماء المتفجرات، تأخذ حيّزا كبيرا من تفكير أبنائنا، وشريحة كبيرة أخرى لا تمانع في ذلك، وأولياء مغلوبون على أمرهم؛ في صورة تبعث على الدهشة والاستغراب! ما يسري في أعماق مجتمعاتنا من عادات دخيلة وتصرفات غريبة، لم يأت بها لا الدين ولا العرف، بل إن الدين أوصانا باتباع سيرة هذا الرسول العظيم، الذي ضرب أروع الأمثلة في الإنسانية والتحضر والحكمة والعدل وغيرها، كما أن العرف الاجتماعي لمجتمعنا لم يَحد في احتفاله منذ قرون، عن استلهام العبر من مولد النبي وسيرته وآثاره الطيّبة، لكن الانحراف الداهم هو ما نراه في الجيل الجديد، الذي يريد أن يُلبس الذكرى السامية عباءة رثة، ثقبت جنباتها المفرقعات والشهب النارية الاصطناعية، وغشّتها بهالة شاحبة باهتة، زادتها نشازا ونفورا. ومن واجب كل الفاعلين في الحقل الاجتماعي اليوم، أن يطرحوا وبعمق، هذه الانحرافات التي لم تمس الأفراح والأقراح، بل سرى طاعونها إلى أنبل العادات وأسمى المناسبات. وإذا تُرك الحبل على الغارب فإننا لا نستبعد أن نحيي يوما ما ذكرى عاشوراء باللكم واللطم، ونحيي رمضان بالنوم والعراك والتخمة، ونحيي عيد الفطر بالتباهي والملاهي، ونحيي عيد الأضحى بكباش” النطاح”.