شُيّعت، عصر أمس بمقبرة بن عكنون بالعاصمة، جنازة الراحل الدكتور عمامرة رابح تركي، الذي وافته المنية صباح ذات اليوم. وقد أقيمت صلاة الجنازة بمسجد حي مالكي، بحضور عائلة الفقيد ورفاقه وتلاميذه وجمع من المواطنين. رابح عمامرة من الرعيل الأول الذي ناضل من أجل سيادة الثقافة والهوية الجزائرية التي دنّسها المستعمر، ويبقى رغم تقدم سنه باحثا نشطا لا تخفى عنه التحولات السارية على الساحة الثقافية والفكرية. تفرّغ في السنوات الأخيرة للتأليف، لذلك قلّل نشاطه وظهوره، مقتنعا في ذلك بأن الكتابة أفضل وأبقى. من آخر أعماله كتاب يحمل عنوان ”نضال قلم”، وهو سيرته الذاتية التي تمتد من سنة 1931 إلى غاية 2008، مدعَّما بالصور، إضافة إلى الكتابة في بعض الصحف والمجلات العربية الراقية. كُرّم الراحل في كل مكان اشتغل فيه بالوطن العربي، كجامعة عين شمس (مصر) التي درس بها، ثم أصبح أستاذا فيها، وكرّمه التلفزيون المصري. كما كُرم في لبنان من جمعية ”المقاصد الإسلامية” بالجامعة اللبنانية العربية، كذلك الحال في العربية السعودية وتحديدا بالرياض؛ حيث كرّمته جامعة الملك فهد مرتين، ثم جامعة أم القرى بمكة، التي درس فيها 4 سنوات، كذلك بجامعة المدينةالمنورة التي درس بها هي كذلك. وكرّمته جامعة بغداد وجامعة المنصورة بمصر، وفي ليبيا وتونس من خلال المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للجامعة العربية كذلك بجامعة فاس بالمغرب. في الجزائر، كرمته الجامعة المركزية التي درّس فيها 41 سنة، إضافة إلى تكريمه من قبل المكتبة الوطنية في حفل كبير. وتحصّل على شهادة تكريم من الرئيس الأسبق المرحوم الشاذلي بن جديد بمناسبة الذكرى ”25 للاستقلال”، وذلك لإسهامه في حركة الإبداع الثقافي. كان الراحل، في وقت مضى، أمينا عاما مساعدا لاتحاد التربويين العرب الذي كان مقره ببغداد. وكانت كل الهيئات تطلب استشاراته في كل ما يتعلق بالتربية والتعليم، فمثلا خبراء التعليم الجامعي ومن خلال الجامعة العربية، اختاروه أواخر الستينيات لإنشاء الجامعات والثانويات العصرية بالخليج العربي، فكان يسافر متنقلا عبر هذه الدول لمعرفة مستويات الثقافة والتعليم فيها، وبالتالي صياغة برامج تعليمية خاصة بها. كان، رحمه الله، يخاطب زملاءه العرب قائلا: ”إن الجزائر جاهدت بالإسلام والعربية، وانتصرت بهما. أنا ابن الحركة الوطنية، وبالتالي لغتي وكلامي يعبّران عن حقيقة بلدي”. الراحل رابح عمامرة هو أحد أعمدة المدرسة الجزائرية، وهو باحث ومربٍّ ومجاهد. عمل محررا بإذاعة صوت العرب. حمل في قلبه حب اللغة العربية والجزائر والمدرسة الجزائرية. أثرى المكتبة الوطنية بأزيد من ثلاثين مؤلَّفا.. ظل الأستاذ تركي رابح عمامرة طيلة مسيرته النضالية، مهتما بالمرأة، ومحاربا للأمية. تستحضر ”المساء” بهذه المناسبة الأليمة، كيف كان الراحل مرتبطا بها ويفضّلها عن غيرها من العناوين؛ كي يقدّم لها جديده، ويُجري معها اللقاءات، ليؤكد إعجابه بها كجريدة وطنية أصيلة، تبحث دوما عن الجوهر بعيدا عن الضوضاء والإثارة. رحم الله الفقيد، وأسكنه فسيح جنانه.