صراع الأفكار والبرامج ظاهرة صحية إذا جرت في إطارها الأخلاقي والأدبي، وقد يكون ظاهرة سلبية إذا تخللته أو طغت عليه مظاهر العنف بأشكالها اللفظي والمادي. والظاهرة الأخيرة (السلبية) نجدها دائما في المجتمعات المتخلفة بدرجات متفاوتة وعلى أساسها تصنف بأنها مجتمعات غير ديمقراطية تستدعي التدخل في شؤونها الداخلية بالوسائل التي تراها الدول التي تعتبر نفسها مدارس للديمقراطية مناسبة تبدأ بالنصح وقد تنهتي بالتدخل العسكري مرورا بالإملاءات السياسية. وغياب حوار الأفكار والبرامج هو الذي يفتخ الأبواب أمام هذا التدخل الذي ترفع كل القوى الداخلية أصواتها للتنديد به ورفضه نظريا لكنها لا تفعل أي شيء ميدانيا لغلق هذه الأبواب في وجهه. وما يحدث فيما يسمى بالديمقراطيات الناشئة ينافي كل مبادئ الديمقراطية، وبالتالي تحول دون استقرار المجتمعات وبناء ديمقراطياتها المنشودة التي يتطلب ترسيخها عمر جيل كامل من العمل السياسي. ولكن ما نلاحظه في العالم الثالث بصفة عامة والديمقراطيات العربية بصفة خاصة هو أن الأقلية السياسية لا تقبل وضعها في إطار المبدأ الديمقراطي القائل بأن الأغلبية تحكم والأقلية يحترم رأيها فتلجأ إلى كل وسائل التشويش على الأغلبية ومن ثم على الديمقراطية التي ينادي بها الجميع.وأخطر ما في هذه الظاهرة أن الأقليات السياسية في عالمنا الثالث غالبا ما تلجأ إلى العنف الذي ينشئ العنف المضاد وتدخل المجتمعات في دوامة الحروب الأهلية التي هي في غنى عنها لو التزمت القوى الفاعلة فيها مبادئ الديمقراطية. وأرجو أن لا تكون أحداث بجاية الأخيرة التي سجلت خلال الحملة الانتخابية مصنفة في هذه الخانة لأنها ستكون الشاهد على أن مقترفيها والواقفين وراءها (إذا كان هناك من يقف وراءها) من ضعفاء الحجة السياسية الذين يستقوون على منافسيهم بالعنف، وأنه إذا صح ذلك فتكون الديمقراطية قد ضربت في المقتل، الأمر الذي لا يقبله أي عاقل.