كعادته، قال الناخب الجزائري كلمته بعيدا عن التأثيرات "الجانبية" التي أصبحت علما يستخدم في توجيه الرأي العام والتأثير فيه لتمرير الأفكار وخدمة الأهداف المسطرة. وأثبت الشعب مرة أخرى أنه على درجة من الوعي لا يمكن معها التأثير في قناعاته أو على الأقل يكون التأثير فيها محدودا بحيث تسقط كل الحسابات خاصة السياسيوية منها. والدليل على ذلك أن نتائج الانتخابات الرئاسية جاءت معاكسة لكثير من التوقعات بل لكثير من القناعات سواء بالمقاطعة التي جند المنادون إليها كل الوسائل بما في ذلك الشارع. وكذلك الحال بالنسبة للحسابات التي رجحت فوز هذا المترشح دون الآخر بغض النظر عن مستويات الطرح أو محتوى البرامج المتنافسة على أصوات الناخبين. فالشارع كان يسمع ويترقب ويتابع كل شاردة وواردة في انتظار يوم الحسم الذي يقول فيه كلمته، وهو الشارع الذي قال فيه كثيرون سواء خلال هذا الاستحقاق أو التي سبقته بأنه يقول كلمته في الوقت المناسب وفي أغلب الأحوال تكون كلمته هي الأخيرة والفاصلة. وكأني بالناخب الجزائري ومن خلاله الشعب الجزائري يطبق المثل الشعبي القائل «خادم رايو ساكت" (من له رأيه يطبقه لا يتكلم)، فهو يرى ويقدر قبل أن يقرر. والقرار هذه المرة كان حاسما في لحظة مصيرية من تاريخ البلاد التي تواجهها جملة من التحديات خاصة الأمنية منها، ومحاولات زرع الفتنة في أوساط الشعب تمهيدا لتمزيق لحمته التي لم ينل منها الاستعمار طيلة قرن وثلث القرن من المسخ الثقافي والاجتماعي والحضاري. أكثر من ذلك، كان الناخب معترفا بالجميل للسيد عبد العزيز بوتفليقة عندما زكاه بنسبة عالية بعهدة رئاسية جديدة، وكيف لا وهو يعيش إنجازاته في جميع الميادين خاصة الأمنية منها، ويتابع نتائج الورشات التي أطلقها عبر ربوع الوطن. ولا يعني هذا أن الناخب ضد هذا المترشح أو ذاك بل يعني أنه يكافئ المتنافس على قدر الإنجازات والخدمات التي يقدمها كل على حدة من باب مبدأ الإنصاف وعدم بخس الناس أشياءهم. وإذا كان عبد العزيز بوتفليقة قد فاز في هذا الاستحقاق فإن المنتصر الأول والأخير فيه هو الشعب والوطن اللذان يحملان الرئيس المنتخب مسؤوليات في مستوى هذا الانتصار.