أخلط المتمردون في مدن شرق أوكرانيا كل الحسابات وأبعدوا كل حظ لإنهاء الوضع المتأزم في هذا البلد، عندما أكدوا أنهم غير معنيين باتفاق جنيف مما يبقي الأزمة مفتوحة على أسوأ الاحتمالات. ويكون المتمردون بمثل هذا الموقف قد وضعوا كل الموقعين على الاتفاق الرباعي، بما فيها روسيا، في حرج كبير وهم يرون بنوده مرهونة بيد طرف لم يكن موقعا على الاتفاق ولكنه يحتفظ بكل مفاتيح التسوية التي تريدها السلطات الأوكرانية والغربية بكيفية لا تزيد في تفكيك الوحدة الترابية لأوكرانيا. وحتى الطرف الروسي الذي يبقى أهم حليف للمتمردين الأوكرانيين الناطقين بالروسية وجد نفسه في حرج من أمره وقد خرج هؤلاء عن عصا طاعته وأكدوا أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لم يوقع سوى على ما يهم بلاده من الوضع كقوة إقليمية ودولية وجدت نفسها في قلب هذه الأزمة بحكم مصالحها الاستراتيجية. وهو ما يجعل نداء الولاياتالمتحدة باتجاه السلطات الروسية بالضغط على المتمردين لإرغامهم على إخلاء مقار الهيئات الأمنية والسياسية التي استولوا عليها بمقتضى مضمون اتفاق جنيف دون صدى من منطلق أنها لن تتمكن من إقناع سكان يريدون أن يتحرروا من قيود السلطات المركزية في العاصمة كييف. وحتى وان قبلت السلطات الانتقالية الأوكرانية بمراجعة دستور البلاد بكيفية تمنح حرية أكبر لسكان المناطق الحدودية مع روسيا إلا أن المتظاهرين أصروا على منحهم حكما ذاتيا رأت فيه كييف بأنه سيكون بمثابة بداية لتكفيك أوكرانيا وانضمامها إلى روسيا تماما كما فعل سكان شبه جزيرة القرم الشهر الماضي. ويبدو أن روسيا لا تريد أن تكون منفذ اتفاق جنيف لوحدها وراحت تستغل هذه الورقة للضغط على العواصم الغربية لرفع العقوبات التي فرضتها عليها بسبب التداعيات المترتبة عن أحداث شبه جزيرة القرم. وهو ما رفضته الرئاسة الروسية التي أكدت أنها ليست المسؤول الوحيد على احترام اتفاق جنيف ووصفت التهديدات الأمريكية ضدها ب«غير المقبولة". ويكون الرئيس الروسي بمثل هذا التصريح قد رد بطريقة مباشرة على اتهامات أمريكية تجاه بلاده بالوقوف وراء أحداث شرق أوكرانيا، بعد أن أكدت واشنطن أن الأيام القادمة ستكون حاسمة لتطبيق التعهدات التي تم التوقيع عليها في اتفاق جنيف والتلميح واضح باتجاه روسيا التي أوكلت لها مهمة إقناع المتمردين بالعدول عن مطالبهم التي تنظر إليها الدول الغربية على أنها تخدم الموقف الروسي وتهدد أوكرانيا بانقسام محتوم. ويبدو أن السلطات الروسية ورغم توقيعها على اتفاق جنيف إلا أنها اتخذت احتياطاتها الأمنية بإرسال تعزيزات عسكرية إلى حدودها الغربية مع أوكرانيا وخاصة بعد إرسال الحكومة الانتقالية الاوكرانية تعزيزات عسكرية إلى مدنها الحدودية لضرب من أسمتهم ب«الإرهابيين" في إشارة إلى المتمردين الانفصاليين. وهي كلها معطيات تزيد في الاعتقاد أن حظوظ تنفيذ اتفاق جنيف تبقى ضئيلة جدا وتدفع الى القول أيضا أن التوصل إليه جاء دون النظر إلى جوهر الأزمة وخاصة ما تعلق بإشراك المتمردين في مفاوضات تعنيهم قبل أي طرف آخر ممن حضر إلى جنيف.