انطلقت أيام المهرجان الثقافي الدولي للخط العربي بقصر ”مصطفى باشا”، بافتتاح أكبر معرض فني يضم أعمال أشهر خطاطي العالم في قارات آسيا، إفريقيا، أوروبا وأمريكا، التي تبرز تواصل تبني القواعد ”الكلاسيكية” للخط العربي بمختلف مدارسه، مع فتح أبواب واسعة للحروفيات المعاصرة. بالمناسبة، جدَّد محافظ المهرجان الثقافي الدولي للخط العربي، الفنان مصطفى بلكحلة، رغبة الجزائر المتجدّدة في الارتقاء بمبادئ الانتماء الحقيقي لمضامين الهوية المجسدة في اللغة العربية التي تعدّ القاسم المشترك لجميع الشعوب الإسلامية والعربية، كونها لغة القرآن الكريم، وقال؛ ”إنّ هذه التظاهرة الثقافية التي نحيي الآن دورتها السادسة دون انقطاع، تنطوي على إحياء قيم ومبادئ متوارثة دونتها لغة التواصل العربية التي تصاغ بجماليات فنية وفق قواعد رسمتها مدارس الخط العربي المتنوعة منذ عصور مضت، نسعى إلى إيصالها إلى المتلقي الراغب في اكتشاف هذا التواصل الإنساني”. وتتجدّد دورات مهرجان الخط العربي الذي يعد واحدا من أهم المهرجانات في العالم، بمواصلة انفتاحها على كل قارات العالم والدول غير الناطقة بالعربية، التي تنعم بجماليات وفنون الخط العربي، فهناك خطاطون من فرنسا، تركيا، الصين، إيران، باكستان، الهند، أندونسيا، البوسنة والهرسك، إلى جانب الخطاطين العرب. ويعمد الباحثون في المهرجان الثقافي الدولي للخط العربي إلى تتبع آثار تطوّر مدارس الخط العربي وعواصمها عبر مختلف العصور، وأبرز روادها الذين أرسوا دعائمها النظرية، وما ظهر من مدارس جديدة أخذت مبادئها من مدارس سبقت، وحملتها خصائص بيئية جديدة، ويأخذ الخط المغاربي مكانته غير آبه بالرفض المطلق للكلاسيكيين لهذا المنهج الذي يبدو جديدا، رغم استلهامه من أساليب كتابية، من بينها الخط الكوفي الذي دخل على مدينة القيروان وانتشر بعدها إلى بقية أرجاء بلاد المغرب العربي، قبل أن يتّخذ أساليب وخصائص جديدة سميت بالخط القيرواني والخط الإفريقي، ثم الخط المغاربي. ويعكف الباحثون والخطاطون على إحياء الورشات الحية، لتقديم تجاربهم في تطوير الخطوط استنادا إلى أصولها المتوارثة، وما طرأ عليها من تطوير، فهناك ورشات لكبار الخطّاطين العراقيين والجزائريينوالإيرانيين والأتراك والصينيين. ويشارك في المهرجان الثقافي الدولي للخط العربي، خطاطون من 23 دولة من مختلف أنحاء العالم، يقدمون أعمالهم التي تنتمي إلى ”خطوط الثلث” و«الديوان” و«الديوان الجلي” و«الكوفي” و«الأندلسي”، إلى جانب الخطوط المعاصرة، وهم يتنافسون على الجوائز الثلاث الكبرى في خط الكلاسيك، والجوائز الثلاث الكبرى في الخط المعاصر. ومن بين المشاركين؛ الناقد الفني العراقي عبد الرحمن جعفر الكناني ببحثه الموسوم ”استلهام الجماليات الحروفية في مدرسة البعد الواحد”، حيث يكشف عن الطريق الأقصر في تحقيق المصالحة مع الذات المتمسكة بمضامين هويتها المهددة بقيم عولمة طارئة، من خلال استلهام الحرف العربي بمضمونه الروحي المقدس في الإبداع الفني المعاصر، ويضحى البعد الواحد أوّل الأبعاد التجريدية في اتّجاه فني بصري يجسّد تراث الأمة والخصائص المعنوية لوجودها دون محاكاة الزمان والمكان، يجعل من الحرف العربي بعدا لا موضوعا، يتسع بجوانبه الفلسفية والتقنية والتعبيرية. لذلك لم يستلهم فنان البعد الواحد عنصر الكتابة بدافع جمالي أو تقني في استجلاء مضمونها اللغوي، فاكتفى بمضمونها الفلسفي - الروحي المؤثر في الحواس، وجعل من الحرف وسيلة وليس غاية جمالية، وجاءت الحروفيات العربية عند البعض عبارة عن كتابات عفوية يراها أكثر اعتبارا وأكثر ارتباطا بمشاعر الإنسان الداخلية من تلك الخطوط المرسومة بقواعد الفن الكلاسيكي، وجاءت عند البعض الآخر بمثابة توجيه الإبداع الفني بطابع حضاري تتميز به هوية الفنان المشدود إلى أرضه. لكن الحروفيات العربية في الحركة التشكيلية الأوروبية لها شكل فني آخر، بدأ الرسام السويسري الألماني بول كيلي الذي لقب ب«الأب الشرعي للحروفيات العربية”، فكان أوّل من مثّل التجريديات الحروفية في حركة الفن التشكيلي العالمي الحديث، حيث وجد في الحرف العربي القيمة التشكيلية القادرة على بناء كيان جمالي تجريدي، انتزع فن الخط العربي مكانته كيانا تشكيليا متكاملا، تتحقق فيه جدلية المعادلة الفنية القائمة على قنوات ثلاث: المبدع، الموضوع والمتلقي. ويعود إنشاء مدرسة البعد الواحد إلى عام 1970 في بغداد، على يد الفنان العراقي الصوفي الراحل شاكر حسن آل سعيد الذي رأى في الحرف العربي نزعة تأملية لوجود الذات الإنسانية عند مستوى الوجود الكوني.