الأحداث الصدمية وما يترتب عنها من اضطرابات، اعتبرتها الأستاذة صبرينة قهار، مختصة في العلاجات النفسية المعرفية بجامعة الجزائر «2»، قسم علم النفس وعلوم التربية، من الإشكاليات التي يعاني منها المجتمع الجزائري نتيجة غياب استراتيجية علمية واضحة للتكفل بضحايا الصدمات الناجمة عن وقوع حوادث بشرية؛ كحوادث السير، أو بعض الكوارث الطبيعية؛ كالزلازل والفيضانات بما في ذلك مختلف أشكال الاعتداءات، تحديدا الجنسية، التي تقع بين المحارم. تخصص الأستاذة صبرينة في كل ما له علاقة باضطرابات الصدمة ومعالجتها لعدد كبير من العينات جعلها تفكر في جعل أطروحتها في الدكتوراه تدور حول موضوع «الصدمة»، إذ تقول؛ «عاشت الجزائر العديد من الصدمات، كان أقواها الإرهاب، أو ما يسمى بفترة العشرية السوداء، وما خلفة من صدمات أغلبها لم يتم التكفل بها، إلى جانب أحداث زلزال بومرداس وما نتج عنه من ضحايا، الأمر الذي ولد الكثير من الاضطرابات، يأتي على رأسها ما نصطلح على تسميته «اضطراب الضغط ما بعد الصدمة»، هذا الأخير مفاده أن العينة أو «الشخص المصدوم» يعيش الحدث الذي تسبب له في الصدمة بكل ما يحمله من ألم في شكل كوابيس، أو يظهر في شكل (تجنب) كل ما من شأنه أن يذكّره بالحدث من قريب أو بعيد، أو عن طريق الإفراط في التيقظ وأخذ الحيطة والحذر، كما يتحول إلى فرد سريع الانفعال وكثير الانزعاج من بعض المظاهر، كالضجيج الذي يجعله يعود إلى الحادث الذي تسبب له في الصدمة، وينتج عن هذا حالة من الخوف والاضطراب المستمر. تشير المختصة النفسانية إلى أن الحدث «الصدمي» كالاعتداءات التي حدثت خلال العشرية السوداء أكثر تأثيرا على نفسية الإنسان من الأحداث الصدمية التي تحدثها الطبيعة، كالزلازل مثلا، بالتالي فإمكانية تجاوز الصدمة نتيجة لأحداث طبيعية تكون أكبر إذ لا تتعدى مدة شهر أو شهرين من تلك المتعلقة بالصدمة التي تسبب فيها الفرد، تحديدا تلك المتعلقة بالاعتداءات الجنسية، خاصة زنا المحارم، ومنه أقول بأنه في ظل ضعف التكفل، لا تزال العائلات الجزائرية تصارع الأحداث الصدمية في صمت. يتطلب علاج الأحداث الصدمية، حسب محدثتنا، استراتيجية علاجية معقدة سطرتها مجموعة من المقررين والمتدخلين المختصين، وكانت هناك سياسة للتدخل الاستعجالي في مثل هذه الأحداث التي تزامنت ووقوع أفعال نجم عنها عدد كبير من المصدومين، لكن اليوم نشهد تراجعا في علاج مثل هذه الحالات، لأن الأمر يتعلق بفرد وليس بجماعة، لذا ندعو وزارة التضامن التي لعبت دورا بارزا في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بتكوين مختصين في التدخل الاستعجالي بعد الحدث الصدمي، إلى استئناف نشاطها في المرافقة والمتابعة، مع السعي إلى إنشاء مراكز متخصصة لمتابعة الأفراد المصابين بمثل هذه الأحداث، فلو نجري مثلا مقارنة بسيطة بين لبنان وفلسطين، تم نتيجة لكل ما عاشه البلدان إنشاء مراكز للتكفل بالأحداث الصدمية للأفراد، بالتالي أعتقد أن المجتمع الجزائري في أمس الحاجة إلى مثل هذه المراكز بالنظر إلى ما تشير إليه الإحصائيات، ففي بعض المناطق يصل مدى انتشار الاضطرابات الصدمية إلى 20 بالمائة، كما هو الشأن في ولايتي المدية والجلفة، حيث يعد هذا الرقم على مستوى ولاية كبيرا. يمس اضطراب الضغط بعد الصدمة في المجتمع الجزائري عددا كبيرا من الأطفال، الأمر الذي يؤثر على نموهم من الناحية النفسية ويصعب عليهم مهمة تحقيق التوافق النفسي مع المجتمع، بالتالي يُطلب اليوم تفعيل دور المختص النفساني والتركيز على تكوينه مع السير نحو إنشاء مراكز متخصصة.