عاشت مدينة رأس الناقورة في جنوب لبنان أمس يوما تاريخيا بعودة خمسة من الأسرى اللبنانيين المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي وإعادة رفات حوالي 200 شهيد في إطار صفقة تبادل الأسرى الموقعة بين حزب الله وإسرائيل مؤخرا. وتمكنت المقاومة اللبنانية من فرض منطقها على الاحتلال الإسرائيلي باشتراطها إطلاق سراح عميد الأسرى اللبنانيين والعرب سمير القنطار وإعادة رفات الشهيدة الفلسطينية دلال المغربي رغم إصرار إدارة الاحتلال على عدم تسليم رفاتها. وتمت عملية تبادل الأسرى تحت إشراف الصليب الأحمر الدولي وكانت ألمانيا لعبت دور الوسيط بتكليف من الأممالمتحدة لإتمام هذه الصفقة الثامنة من نوعها بين حزب الله وإسرائيل منذ عام1991 . وبدأت العملية منذ الساعات الاولى في منطقة رأس الناقورة عبر الحدود اللبنانية مع فلسطينالمحتلة على مرحلتين حيث سلم حزب الله رفات الجنديين الإسرائيليين ايهود غولدواسر والداد ريغيف اللذين اسرهما في ال 12 جويلية 2006 وتسبب ذلك في شن جيش الاحتلال لعدوان على لبنان دام 34 يوما وأسفر عن استشهاد 1200 لبناني معظمهم من عناصر المقاومة اللبنانية ومصرع 160 جنديا إسرائيليا. وأخذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نعشي الجنديين وعبرت بهما الحدود إلى فلسطينالمحتلة حيث تم إجراء اختبارات الحمض النووي للتأكد من هويتهما. وفور التأكد من هوية الجنديين الإسرائيليين بدأت المرحلة الثانية من العملية بتسليم الطرف الإسرائيلي رفات حوالي 200 شهيد من عناصر المقاومة اللبنانية والفلسطينية من ضمنها رفات الشهيدة الفلسطينية دلال المغربي التي نفذت عملية فدائية عبر السواحل الإسرائيلية عام 1978 أسفرت عن مصرع 36 جنديا إسرائيليا إضافة إلى رفات ثلاثة من رفقائها في نفس العملية الفدائية. وتمت هذه المرحلة عبر دفعات ودامت عدة ساعات بحيث دخلت أول دفعة من الجثامين التي أعادتها إسرائيل إلى الأراضي اللبنانية أمس ضمن العملية التي أطلق عليها حزب الله اسم "عملية الرضوان" تكريما "للحاج رضوان" عماد مغنية القائد العسكري في الحزب الذي اغتيل في العاصمة السورية دمشق شهر فيفري الماضي. وخص سكان جنوب لبنان الأسرى المفرج عنهم ورفات الشهداء باستقبال يليق بمقامهم وتجمعوا منذ الساعات الاولى من صباح أمس في مدينة رأس الناقورة في انتظار وصول أولى الدفعات. وزين مكان الاستقبال بالإعلام واللافتات الترحيبية والمشيدة بانتصارات الحزب في مواجهة جيش الاحتلال الاسرائيلي. وتقدم سمير القنطار عميد الأسرى العرب الذي قضى نحو 30 عاما في السجون الإسرائيلية قائمة الأسرى المفرج عنهم إضافة إلى كل من خضر زيدان وماهر كورانى ومحمد سرور وحسين سليمان وهم من مقاتلي حزب الله الذين تم أسرهم خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان فى صيف 2006 . ووصل الأسرى المفرج عنهم إلى الأراضي اللبنانية وسط جو من الفرحة والابتهاج طبع مواقف آلاف اللبنانيين الذين جاؤوا من كل حدب وصوب لاستقبالهم في احتفالية لم يسبق لها مثيل والتي رأوا فيها انتصارا لهم ولمقاومتهم للاحتلال وعامل صمود آخر في وجه المخططات الإسرائيلية. وبينما عاشت لبنان جوا من الفرحة والابتهاج كان المشهد معاكسا تماما في إسرائيل التي شهدت أمس أسوء أيامها وأحزنها على الإطلاق بعدما بدت خيبة الأمل الإسرائيلية كبيرة عندما استقبلت جثتي جندييها اللذين تمكن حزب الله من إبقاء مصيريهما مجهولا لآخر لحظة. وقد سلم حزب الله إضافة إلى جثتي هذين الجنديين رفات ستة جنود إسرائيليين سقطوا أثناء حرب جويلية 2006 . وكانت ردة الفعل الإسرائيلية سريعة حيث انتقد وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق سيلفان شالوم العملية واعتبر أن مثل هذه العملية ستجعل إسرائيل تدفع ثمنا باهظا لإطلاق سراح الجندي الأسير لدى المقاومة الفلسطينية جلعاد شاليط. وفي الوقت الذي تعرض فيه اتفاق تبادل الأسرى في إسرائيل إلى انتقادات بعدما اعتبرته الصحافة الإسرائيلية انتصارا لحزب الله وللمقاومة اللبنانية والفلسطينية على حد سواء. أكدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أمس، أن عملية تبادل الأسرى تعد انتصارا كبيرا للمقاومة وحزب الله وهي بمثابة عرس للأسرى وعائلاتهم. وقال سامي أبو زهري المتحدث باسم الحركة في بيان أمس، أن " إفراج إسرائيل عن الأسير سمير القنطار ومن معه من الأسرى كسر معادلة الاحتلال المتمثلة في رفض الإفراج عن الأسرى ذوي الأحكام طويلة الأمد وجعل تمسك الاحتلال بهذه المعادلة أمرا لا معنى ولا قيمة له" . وتوجه مسؤول حركة حماس بالحديث الى عائلة الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط الذي تحتجزه المقاومة الفلسطينية منذ حرب لبنان 2006 وقال ان "المسؤول عن تأخير عودة ابنكم الى احضانكم هو رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت الذي يمارس المراوغة ويرفض الاستجابة للشروط الفلسطينية" . وتطالب حركة حماس مقابل الافراج عن جلعاد شاليط اطلاق سراح ما لايقل عن الف اسير فلسطيني في معتقلات الاحتلال عبر دفعات وممن تحدد قائمتهم الاسمية وليس ادارة الاحتلال كما جرت العادة.