تواصلت الاشتباكات الدامية أمس، في مدينة طرابلس شمال لبنان بين مسلحين في منطقتي جبل محسن ذات الأغلبية العلوية التابعة للطائفة الشيعية وباب التبانة ذات الأغلبية السنية مما أدى إلى ارتفاع حصيلة الضحايا إلى عشرة قتلى من بينهم أطفال ونساء وإصابة أزيد من 40 آخرين في ظرف يومين. واندلعت الاشتباكات منذ ليلة الخميس إلى الجمعة الماضيين وبالرغم من إعلان وقف لإطلاق النار لمرتين على التوالي، ولكن ذلك لم يكن كافيا لاحتواء الوضع الأمني الذي انزلق مجددا بأكثر ضراوة. ولجأ المتحاربون إلى استخدام الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية مما تسبب في تدمير وإحراق عشرات المنازل والمؤسسات والمحلات التجارية في مشهد اعاد اذهان اللبنانيين إلى فترة الحرب الأهلية التي عانى منها اللبنانيون نهاية القرن الماضي. وقد اضطر الجيش اللبناني في ظل هذه التطورات الأمنية الخطيرة إلى إرسال تعزيزات مكثفة إلى المنطقة مسرح الاشتباكات في مسعى لتفادي توسع رقعة المواجهات واحتواء الوضع المتوتر. وقررت قيادة الجيش اللبناني التدخل لاحتواء الوضع بعد فشل محاولتين لوقف إطلاق النار بعدما كان اكتفى في اليوم الأول من اندلاع المواجهات بالحياد بمبرر أن الاشتباكات تدور في أحياء المنطقتين وتدخل الجيش قد يسفر عن سقوط ضحايا مدنيين. وانتشرت عشرات الدبابات والسيارات العسكرية في كل من جبل محسن وباب التبانة وشرع بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي بعملية تمشيط واسعة ونصب الحواجز الأمنية والتأكد من خلو الشارع الرئيسي الربط بين المنطقتين المتصارعتين من أي متفجرات. وكان وزير الداخلية اللبناني زياد بارود انتقل في ساعة متأخرة من ليلة أمس إلى مدينة طرابلس وعقد سلسلة من الاجتماعات مع مسؤولين عسكريين وأمنيين ومرجعيات دينية محلية قصد التوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار. ويأتي تجدد الاشتباكات الدامية في الوقت الذي يستعد فيه اللبنانيون إلى طي صفحة أخرى من صفحات الأزمات السياسية التي تثقل كاهلهم من وقت لآخر بعد توصل فرقاء الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد لقرابة عامين إلى اتفاق توج بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للبلاد وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. كما يأتي في وقت تستعد فيه الحكومة الجديدة إلى الإعلان عن سياستها العامة التي يتم من خلالها تحديد الخطوط العريضة لتوجهاتها وفي وقت ينتظر فيه أن تتجه الأنظار نحو تسوية مسألة سلاح حزب الله الذي يشكل نقطة خلاف بين أطراف لبنانية مختلفة. فبينما يعتبره الحزب انه سلاح للمقاومة ولا يحق لأحد المساس به ترى جهات حكومية ضرورة إدماجه في قوات الجيش اللبناني حتى لا يكون هناك دولة داخل دولة. وهو الأمر الذي دفع بالعديد من المتتبعين للشأن اللبناني إلى إبداء تخوفات متزايدة من تكرار مشاهد التوتر في شمال لبنان والتي عادة ما تستغل للتأثير على الوضعية السياسية في هذا البلد.