التوترفي العلاقات الثنائية بين الجزائر و المغرب و الذي شهد منحىا تصاعديا في الآونة الأخيرة بالنظر الى التصعيد المغربي و الاستفزاز المتتالي و المتقارب زمنيا ، كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، ففي الوقت الذي كانت فيه الجزائر تنتظر خروج المغرب لتقديم توضيحات و اعتذارات بخصوص تحرشات مسؤوليها بوحدة الشعب الجزائري وبشأن التصريحات المغلوطة و الاتهامات الخطيرة لوزير خارجية الكيان الصهيوني من على أراضيها وصفها وزيرالشؤون الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة بالدليل القاطع على العداء الشديد دون أدنى أي قيد أو حدود .. شهدت منطقة القبائل وولايات عديدة من الوطن حرائق غابية ، وهي جرائم أثبتت التحقيقات تورط المنظمتين الارهابيتين "ماك" و "رشاد" فيها بدعم من المغرب ،لتقرر الجزائر بعد هذه الأحداث المتعاقبة قطع علاقاتها مع هذا البلد الذي لم يحسن الجوار غداة تأكيدات رئيس الجمهورية بأن "الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب ضد الجزائر، تفرض إعادة النظر في العلاقات بين البلدين وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية"، سيما وأن نظام المخزن بات يشكل تهديدا للجزائر بعد شروعه في استهدافها بأجندة إسرائيلية ،إذ لم يحدث كما قال رمطان لعمامرة منذ عام 1949 أن أصدر عضوا في حكومة إسرائيلية رسائل عدوانية من أراضي دولة عربية ضد دولة عربية أخرى مجاورة. هي خيانات تؤكدها الأحداث المدونة في كتب التاريخ من خرق للمعاهدات و المواثيق المبرمة بين الجانبين ومن طعنات في الظهر كانت ضحيتها دوما الجزائر وما رسالة الأمير عبد القادر إلى علماء مصر يستفتيهم فيها ويشكوهم خيانة سلطان المغرب الأقصى إلا دليلا قاطعا للرأي العام الدولي على الحقد التاريخي و الضغائن التي يحملها المغرب للجزائر. ففي سنة 1847 إضطر الأمير عبد القادر وتحت ضغط وضربات الجيش الفرنسي إلى دخول الأراضي المغربية بجزء من جيشه بعد أن تزايد تعداد الجيوش الفرنسية ب 78ألف جندي مستنجدا بسلطان المغرب عبد الرحمان بن هاشم، حين خاطبه قائلا" سقوط الجزائر يعني سقوط المغرب "طالبا منه المدد عددا وعدة، إلا أن سلطان المغرب فعل ما لم يكن في حسبان الأمير، فقد امتنع في البداية بحجة إنشغاله بإخماد بعض التمردات القروية، لكنه في حقيقة الأمر غدر بالأمير حينما عقد إتفاقا مع الجيش الفرنسي وقع به خيانته بحصار جيوش الأمير عبد القادر ، وسلمه لقمة سائغة لعدوه، رغم أن الأمير كان حافظا للود مع المغرب حتى أنه في بداية مبايعته رفض تلقيبه بأمير المؤمنين إحتراما لمقام السلطان الذي كان يفضل أن يدعى بذلك، لكن أمير المؤمنين السلطان عبد الرحمان بن هاشم لم يجد حرجا في بيع الأمير وجيشه لفرنسا من خلال حصار محكم أجبر الأميرعبد القادر على الاستسلام حفاظا على جنوده من مذبحة حقيقية كان سلطان المغرب سيكون طرفا أساسيا فيها، وقد فاوض الأمير على حياة جنوده وقبائله وأنصاره ضامنا لهم العودة إلى قبائلهم وعشائرهم سالمين، بينما اختار هو الإسكندرية أو عكة مهاجرا بطعنة خنجر في ظهره من شقيق استجار به فسلمه لعدوه. خيانة من نظام المخزن يشهد لها التاريخ وممارسات عدائية بلغت حد الذروة ، فكان القرار التأديبي من الجانب الجزائري حتميا لتبقى محبة و أخوة شعبين شقيقين لاغبار عليها . نص "الرسالة" كالتالي: "الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن الأئمة الراشدين. من خديم المجاهدين والعلماء والصالحين عبد القادر بن محي الدين إلى سادتنا العلماء الأبرار الأفاضل الأخيار رضي الله عنكم وأرضاكم وجعل الجنة منزلكم ومثواكم. جوابكم عما فعله بنا سلطان المغرب من المنكرات الشرعية التي لا تتوقع من مطلق الناس فضلاً عن أعيانهم، فأمعنوا نظركم فيها شافياً، وأجيبونا جواباً كافياً شافياً، خالياً عن الخلاف ليخلو قلب سامعه عن الاعتساف. وذلك أنه لما استولى عدو الله الفرانسيس على الجزائر، وخلت الإِيَالَةُ عن الأمير، وانقطعت السبل، وعُطِّلَت الأسباب، وطالت شوكة الكافر، اجتمع ذوو الرأي وتفاوضوا على أن يقدِّموا رجلاً من ساداتهم، يؤمن السبل، ويكف الظالم، ويجمع المسلمين للجهاد، لئلا يبقى الكافر في راحة فتمتد يده، فاختاروا رجلاً منهم، وقدموه لذلك فتقدم، وعمل جهده فيما قدموه له، فتأمنت السبل بحمد الله وتيسرت الأسباب بعونه، وجاهد في سبيله، وذلك من لدن سنة الستة والأربعين إلى سنة ثلاث وستين هذه، ولن نزال كذلك إن شاء الله. فإذا بسلطان المغرب فعل بنا الأفعال التي تقوي حزب الكافر على الإسلام، وتضعفنا، وأضر بنا الضرر الكثير، ولم يلتفت إلى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يُسْلِمُهُ وَلَا يَظْلِمُهُ »، ولا إلى قوله -عليه الصلاة والسلام- : « الْمُؤْمِنُ لِأَخِيهِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا »، ولا إلى قوله -عليه الصلاة والسلام- : «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ »، إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة. فأول ما فعل بنا: أننا لما كنا حاصرنا الكافر في جميع ثغوره نحواً من ثلاث سنين، وقطعنا عليه السبل ومادة البُرِّ من الحب والحيوان وغيرهما، تَضْيِيقًا عليه وتَضْعِيفًا له، خصوصاً من جهة الحيوان؛ لأن قانون عسكره أنهم إذا لم يأكلوا اللحم يومين أو ثلاثة يفرون عن طاغيتهم ولا يُقاتلون ولا يُلامون، حتى بلغت قيمة الثور عندهم مائة ريال دورو، فإذا بالسلطان المذكور أمدَّهم -وهم في الضيق الشديد- بألوف من البقر وغيرها. – الثاني: أنه غَصَبَ من عاملنا ألفاً وخمسمائة بندقة إنجليزية. – الثالث: أنه غَصَبَ من وكيلنا أربعمائة كسوة جوخ أعددناها للمجاهدين. – الرابع: أن بعض المحبين في الله ورسوله من رعيته قطع قطعة من ماله الخاص به ليعين به المجاهدين، فإذا بالسلطان المذكور زجره، ونزعها منه، وقال: "أنا أحق بها"، والحال أنه لم يجاهد. – الخامس: أن بعض القبائل من رعيته عزموا على إعانتنا بأنفسهم في سبيل الله، فمنعهم من ذلك. وأعاننا آخر من رعيته بسيوف في سبيل الله، فحبسه إلى الآن زجراً له، وردعا لغيره. – السادس: أنه لما وقعت لهذا السلطان مقاتلته مع الفرانسيس أياماً قلائل، ثم تصالحا، واشترط عليه الفرانسيس: "أن لا يتم الصلح بينهما إلا إذا حل أمر هذه العصابة المحمدية المجاهدين، ويقبض رئيسهم، فإما أن يحبسه طول عمره، وإما أن يقتله، وإما أن يمكِّنه من يد الفرانسيس، أو يجليه من الأرض"، فأجابه السلطان إلى ذلك كله. ثم أمرني بترك الجهاد، فأبيت، لأنه ليس له عَلَيَّ ولايةٌ، ولا أنا من رعيَّته. ثم قطع عن المجاهدين الكيل حتى هام جوعاً من لم يجد صبراً، وأسقط من المجاهدين ركناً. ثم أخذ يسعى في قبضي فحفظني الله منه، ولو ظفر بي لقتلني، أو لفعل بي ما اشترطه عليه الفرانسيس. ثم أمر بعض القبائل من رعيته أن يقتلونا ويأخذوا أموالنا -وكأنه استحل ذلك- فأبوا جزاهم الله خيراً. فإذا تصورتم أيها السادات هذه الأفعال التي تتفطر منها الأكباد، وتتأثر عند سماعها العباد: – فهل يحرم عليه ذلك ؟ ويضمن ما غصب ؟ ويقتل بنا إن قتلنا ؟ حسبما نص عليه "المعيار" في أول "باب الجهاد"، وزبدته: "أنه إذا نزل الكافر بساحة المسلمين، وقال لهم إن لم تعطوني فلاناً أو ماله أو يقتل استأصلتكم، فإنه لا يسعهم ذلك ولا يعطوه شيئاً مما طلب ولو خافوا استئصاله، فإن أعطى ماله ضمنه الآمر به"، ونقل ذلك عن نصوص المالكية والشافعية. وكما نص على ذلك أيضاً الشيخ ميارة في "شرح لامية الزقاق" في آخر "باب الإمامة الكبرى"، ونصه: "قال ابن رشد: إذا أمر الإمام بعض أعوانه بقتل رجل ظلماً ففعل، فلا خلاف أنهما يُقتلان معاً.. نقله المواق عند قول خليل في باب الجنايات: كمكره ومكره. فإن فعل المأمور ذلك خوفاً على نفسه، فإنه لا يعذر بذلك. قال ابن رشد أيضاً: الإكراه على الأفعال إن كان يتعلق به حق لمخلوق كالقتل والغصب، فلا خلاف أن الإكراه غير نافع. نقله أيضاً عند قوله في الطلاق: لا قتل مسلم وقطعه. ونقله الحطاب في هذا المحل الثاني، ونصه في آخر "معين الحكام": ومن هُدِّد بقتل أو غيره على أن يقتل رجلاً، أو يقطع يده، أو يأخذ ماله، أو يزني بامرأة، أو يبيع متاع رجل، فلا يسعه ذلك، وإن علم أنه إن عصى وقع به ذلك، فإن فعل فعليه القود، ويغرم ما أتلف، ويحد إن زنى، ويضرب إن ضرب، ويأثم ". – وهل المهادنة التي أوقعها فاسدة، ومنقوضة ؟ لأن الجهاد تعين عليه قبل أن يفجأه العدو، بسبب قربنا منه، وعجزنا عن الجهاد، ولأن منفعتها عائدة على الكفار ووبالها على الإسلام، كما هو مشاهد. حسبما نص على ذلك في "المعيار" أيضاً في "باب الجهاد" في الجواب عن سؤال التلمساني، وحاصله: أن الخليفة أوقع الصلح مع النصارى، والمسلمون لا يرون إلا الجهاد؟ فأجابه بما حاصله: "أن مهادنته منقوضة، وفعله مردود "، ونقل على ذلك نصوصاً. -وهل يحمل بيع البقر لهم في وقت حصرهم المسلمون على حرمة بيع الخيل لهم والشعير وآلة الحرب أم لا ؟ – وعلى أنه لم تسعه مخالفة الفرنسيس فيما شرطه عليه من قتلنا وتفريق جماعتنا وما ينشأ عنه من ترك الجهاد بالكلية، واقتحم الأمر وشق العصا، وجاءنا بالجيش ليقتلنا ويأخذ أموالنا ويفرق جمعنا، فهل يجوز لنا أن نقاتله ؟ بمقتضى ما نقله الشيخ ميارة أيضاً في "شرحه المذكور" في الباب، ونصه: "انظر إذا خلا الوقت من الأمير، وأجمع الناس رأيهم على بعض كبراء الوقت، ليمهد سبيلهم، ويرد قويهم عن ضعيفهم، فقام بذلك قدر جهده وطاقته، والظاهر أن القيام عليه لا يجوز، والمتعرض له يريد شق عصا الإسلام وتفريق جماعته، ففي صحيح مسلم -رضي الله عنه- : عن زياد بن علاقة قال: سمعت عرفجة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « إنَّهَا سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ جَمِيعٌ فَاقْتُلُوهُ كَائِنًا مَنْ كَان »، وبسنده قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ تَفْرِيقَ جَمَاعَتِكُمْ فَاقْتُلُوهُ ». ". أم لا يجوز لنا ذلك ونترك الجهاد ؟ ليس إلا جوابكم تُؤْجرون وتُحْمدون. وعليكم السلام في البدء والختام، والحمد لله رب العالمين. "