ينظم منتصف الأسبوع القادم يوم دراسي حول " كاتب ياسين " و ذلك ضمن فعاليات الطبعة السابعة من المهرجان الوطني للمسرح المحترف ، و سيهدف اليوم الدراسي حسب المنظمين إلى عالم كاتب ياسين الإبداعي وضع اللبنات الأولى لإعادة قراءته من جديد، برؤية حيوية تعيده إلى الواجهة. فكل ما قاله كاتب ياسين أو عبر عنه بقوة، وأحيانا بصرامة المبدع الحر تجاوز فيها كل الوفاقات الاجتماعية والسياسية. ياسين الاحتفالي ، ياسين الحكواتي ، ياسين الحياة ، ما يزال حيا ويمكن تحيينه بسهولة وتقديمه للنقاد والمهتمين بعالم الكتابة والإبداع من خلال فتح ورشة للنقاش الحر بهذه المناسبة، حول الأعمال الإبداعية لكاتب متعدد في انشغالاته الإبداعية والحياتية: الشاعر والروائي والمسرحي والمناضل الملتزم بقضايا الوطن، وقضايا التحرر العالمية. كيف تشتغل هذه التعددية في أعمال كاتب ياسين؟ السند الشعري في تثوير البنية المسرحية؟ كيف ينشأ النص المسرحي في أفق إنتاجي جماعي معبرا عن انشغالات الطبقات الأكثر حرمانا وشعبية؟ هل استطاع ياسين أن يؤسس لتمايزه الذي يختلف عن مسرح الحلقة أو الاحتفالي أو الحكواتي؟ نجمة بوصفها ملحمة الأجداد والإنسان في بحثه عن حقه في الوجود والحياة والتمايز أيضا؟ ماذا تمثل الشخصية في أعمال كاتب ياسين باعتبارها المحرك الأساس للخطاب المسرحي؟ وغيرها من الإشكاليات التي تجعل اليوم من أعمال كاتب ياسين ورشة مفتوحة دوما أمام الباحثين الأدبيين والمسرحيين.
من هنا، فهذا اليوم الدراسي يهدف إلى الانتقال بكاتب ياسين من مجرد الاقتصار على التعريف والإشادة، إلى مستوى المقاربات النقدية الجادة لمحتويات وأشكال هذه الأعمال الإبداعية التي صنعت تمايزها في زمانها، وما تزال أصداءها بيننا إلى اليوم. فكاتب ياسين ليس ماضيا أدبيا وفنيا فقط، ولكنه ذاكرة حية للتنوير والدفاع عن الحق. أيا كان هذا الحق. كاتب ياسين دحض الخطاب الكولونيالي بقوة وبلا هوادة وهو لم يتجاوز السابعة عشر من عمره عندما قدم محاضرة في فرنسا عن الأمير عبد القادر، في 24 ماي 1947 في تجمع العلماء في باريس la Société des Savants de Parisوالتي أثبتت أن نجما أدبيا ونضاليا كان بصدد التكون. ووضع خياراته كلها في سياق إنساني وليس محليا فقط. فدافع عن القضايا الحيوية العادلة من الفيتنام التي قضى فيها ثلاث سنوات والتي انتهت بمسرحية الرجل ذو النعل المطاطي، إلى القضية الفلسطينية التي كتب عنها مسرحية بعنوان فلسطين المخدوعة ولاقت اهتماما وطنيا وعربيا واسعا. لكن تمايز كاتب ياسين المتعدد يدين بالكثير إلى نصه المتميز والكبير: نجمة الذي ترجم إلى لغات متعددة منها اللغة العربية التي كانت وراءها السيدة القديرة ملك ابيض العيسى التي سخرت جزءا مهما من حياتها لترجمة هذه الرواية وشعر مالك حداد ونثره في ستينيات القرن الماضي. فتحولت رواية نجمة مع الزمن إلى إيقونة أدبية وطنية وعالمية عبرت بقوة عن فكرة التحرر والهوية المتعددة والحق في القول والتفكير الحر. كاتب ياسين فتح عينيه على ثقافة أمه الشعبية التي كانت معلمه الأول في قول الشعر وحفظه، لكنه عندما أراد أن يكتب لم يجد أمامه إلا اللغة الفرنسية التي اعتبرها في النهاية غنيمة حرب، فنهل من ثقافتها وكتب بها جل إعماله من منطلق مقولته الشهيرة: أكتب بالفرنسية لأقول للفرنسيين إني لست فرنسيا. رغبة منه في تجاوز معضلة اللغة الفرنسية بعد الاستقلال، وجد كاتب ياسين ضالته في المسرح الشعبي الذي اعتبره أصدق وسيلة للوصول إلى قلب الجماهير الواسعة التي كانت شغله الشاغل. فأبدع مسرحيات تشكل اليوم جزءا مهما من السجل المسرحي الوطني على غرار: محمد خذ حقيبتك، الرجل ذو النعل المطاطي، مسحوق الذكاء أو غبرة الفهامة، الجثة المطوقة... وغيرها.