كنا نستغرب من مهازل الهزال السياسي لدى الطبقة السياسية، حين حولوا النضال من الميدان إلى الصالونات، لكن بما أن الأمور في هذه البلاد تمشي على رأسها ومع استمرار هذا النوع من النضال لسنوات صارت ظاهرة نضال الصالونات في خانة " النورماليات". الكارثة اليوم أن النضال لدى الطبقة السياسية خرج من الصالونات المكيفة، لم يعد إلى الميدان طبعا، ولكنه تحول إلى نضال من الصالونات إلى الفايسبوك، فوزراء قدامى، وشخصيات سياسية صارت تطرح أفكارها على الفايسبوك، والأفكار هنا لا نعني بها تلك التي يمكن أن نقول أنها ملهمة للجيال، وإنما الأفكار هنا تتمثل في إنزال أشرطة مصورة لمشاركة هؤلاء النواب أو المسؤولين في حصص تلفزيونية، أو لانتقاد مشروع ما، دون أن يكون لهذا الانتقاد الأثر الإيجابي في الميدان أو أن يتم المبادرة ميدانيا وشحذ الناس ضد أو مع أي فكرة، ولأن السياسة لدينا لم تعد كما كانت عليه في عهد الراحل عبد الحميد مهري، الذي أخذ معه الممارسة السياسية الحقة، لذا فإن العمل السياسي اليوم دخله كل من لا علاقة له بالسياسة، حتى البقارة وتجار الخردة، ما دام أنها لا تحتاج سوى إلى فتح حساب على الفايسبوك، وليت الظاهرة تعمم ليتم أيضا تشكيل أحزاب في العالم الافتراضي، ونشكل حكومة أيضا من هذا العالم، ما دام أن النضال صار من أروع ما يروع بدل من "تمرميدة" الواقع، ومواجهة الناس وانتقاداتهم ومقارعة الخصوم والسعي من مكان إلى مكان لاستقطاب الناس للأفكار التي نؤمن بها.