ماذا وراء دعوة الإسلاميين لتغيير نظام الحكم واعتماد النظام البرلماني الذي يهدد البلد بالدخول في حالة مستدامة من عدم الاستقرار إلا إذا كانت شهية الحكم عند التيار الإسلامي قد تعاظمت على هامش الربيع العربي وبدؤوا يراهنون على فرصة الجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية التي يسمح بها النظام البرلماني؟ قد يكون الوقت مبكرا لتداول موقف الأحزاب والقوى السياسية من التعديلات الدستورية القادمة، وبينما يتراجع خطاب جبهة التحرير حول التعديل الدستوري، ويسكت التجمع الوطني عن الموقف من الإصلاحات القادمة، فإن الأحزاب الإسلامية المتحالفة في كتلة الجزائر الخضراء قد وضعت على رأس الأهداف الخمسة، الانتقال بالبلد إلى نظام برلماني صرف، تقلص فيه صلاحيات الرئيس إلى الحد الأدنى، وربما إلى موقع تشريفي لا يختلف عن الموقع الرئاسي الذي تركته حركة النهضة في تونس للرئيس التونسي. الموقف ذاته معلن عن حزب جاب الله، وعند معظم التشكيلات الإسلامية في العالم العربي التي تريد استنساخ النموذج التركي كما هو، وهي في غفل عن الأخطار المترتبة عن مثل هذا الخيار، في بلدان لم يتشكل فيها بعد المشهد السياسي ويستقر حول قطبين أو ثلاثة أقطاب، قادرة على تداول السلطة التنفيذية بأمان داخل نظام برلماني، خاصة وأن النظام البرلماني لا يفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ويصعب معه تشكيل أغلبية تتوافق على الحكم، وبناء حكومات مستقرة. النماذج من حولنا تشهد على ارتباط النظام البرلماني بهشاشة الجهاز التنفيذي. فقد بقيت بلجيكا بلا حكومة لأكثر من سبعة عشر شهرا، ودخلت اليوم هولانا أزمة حكومية بعد تفكك التحالف الحاكم، وما يزال النظام البرلماني يعيق اليونانيين من مواجهة الأزمة الاقتصادية ببرلمان غير فادر على تشكيل حكومة وطنية قادرة على إخراج اليونان من كابوس الإفلاس. وفي التاريخ الأوروبي القريب منا كانت إيطاليا تغير الحكومات كما تغير الأقمصة، وقد عرف الفرنسيون مع الجمهورية الرابعة ونظامها البرلماني حالة من عدم الاستقرار هي التي قادت الفرنسيين إلى الاستنجاد بديغول والانتقال بهم إلى الجمهورية الخامسة بنظامها شبه الرئاسي. ومن جهتهم فإن الأشقاء في تونس هم على مشارف أزمات مركبة، سوف تنشأ في اللحظة التي يعتمد فيها دستورهم الجديد بصيغة النظام البرلماني، وإذا ما اعتمد النظام البرلماني في مصر، كما تريده اليوم الأحزاب الإسلامية وحتى الأحزاب الليبرالية، فإن المصريين سوف يواجهون أزمات بلا نهاية، ليس فقط مع الأقلية المسيحية بل مع مؤسسة الجيش التي كانت تحتمي بالموقع الرئاسي للحفاظ على مصالحها وموقعها في مؤسسات الحكم. نفس المشاكل قد تنشأ في الجزائر في حال اعتماد النظام البرلماني من غير تفكير في عواقبه، لأنه سوف يقضي على الموقع الوحيد الذي يحافظ على الوحدة الوطنية منذ الاستقلال، ويعطي قدرا من الضمانات للأقليات وللمؤسسة العسكرية. غير أن النظام البرلماني يخفي مطبات عديدة أخرى لا يبدوا أن القوى السياسية الإسلامية التي تدافع عنه اليوم قد انتبهت إليها أو وضعتها في الحسبان. فهم يراهنون على توفر أغلبية إسلامية في البرلمان القادم، تسمح بتمرير تعديل دستوري يغير من طبيعة النظام، وهذا وهم صرف حتى لو وصلت أغلبية إسلامية إلى البرلمان القادم، مع رئيس جمهورية لم يخف رغبته في بناء نظام رئاسي، وأمامه سنتان قبل نهاية العهدة الثالثة تسمح له بمنع عرض أي تعديل دستوري يذهب في هذا الاتجاه على الاستفتاء، ولن يكلف البرلمان القادم بمباشرة تعديل الدستور إلا إذا توفرت عنده الضمانات الكافية حول عدم المساس بطبيعة نظام الحكم شبه الرئاسي الحالي، أو تطويره نحو نظام رئاسي صرف، لأن البلد المحاط بأزمات إقليمية متفاقمة، في عالم متغير للغاية يحتاج إلى مركز قرار موحد، وليس إلى تفتيت الجهاز التنفيذي داخل مؤسسة برلمانية غير مستقرة، ولن يسمح بمغامرة مماثلة، تدخل البلد في نفق مظلم، سواء فاز الإسلاميون بالأغلبية أم أعيد تجديد الثقة لنفس القوى التي تشكل منها التحالف الرئاسي.