إلى غاية 14 ديسمبر المنصرم، وقبيل أيام قليلة عن انقضاء عهدته السوداء، كان يمكن للرئيس الأمريكي جورج بوش، أن يجعل العالم يحتفظ له بالألقاب التي أرادها لنفسه يوم دخل البيت الأبيض، من قبيل "الرجل القوي المثير للجدل"، و "الزعيم الذي غير مجرى التاريخ".. ولكن، منذ ذلك اليوم، سقطت عنه جميع الألقاب المخطوطة بالأحمر في سجل البشرية، وسيظل العالم يذكره بلقب "الرجل الذي خرج من التاريخ بضربة صباط". وكلمة "صباط"، كما تعرفون جميعا، يقترن ذكرها دائما في الموروث العربي بالتعبير عن وضع وطئ، حتى أن توظيفها الاضطراري في أحاديث ومجالس العرب، يكون دائما مسبوقا بكلمة "حاشاك"، وما يقابلها من مفردات في معجم اللهجات العربية التي تختلف لفظا وتتحد معنى. ومن مرادفات كلمة "صباط" في اللهجات العربية، نجد على وجه الخصوص مفردات مثل صندل، شاروخ، زنوبة، بسطار، مداس.. وكذلك كلمة "صرماية"، وهي أقبح مرادفات الكلمة من حيث الوظيفة الدلالية المبطنة للمصطلح. وكلمة "صرماية"، المستعملة في بلاد الشام، تعني الحذاء الأحمر المصنوع من الجلد اليابس، حيث تنفرد مدينة حلب السورية بالريادة المشرقية في صناعة أجود أنواعها، لكن الكلمة تستعمل دائما كناية عن الشخص التافه، فيقال مثلا " فلان صرماية..بعيد عنكم"، أي حاشاكم بتعبيرنا الجزائري. ووفق هذه التعريفات والمصطلحات، ظل مصطلح "الصباط" في تاريخ البشرية جمعاء مرتبطا بالتعابير التي تستهدف استحقار الشيء واستصغاره، ومن هذا المنطلق بقي دائما مصنفا في خانة التوافه التي لا ترقى لصناعة حكاية يأبه بها البشر، اللهم استثناء واحد في التاريخ الحديث، صنعه الرئيس الروسي الأسبق خروتشوف، عندما رفع من قيمة "الصباط"، ووضعه أمامه على طاولة المفاوضات بالأمم المتحدة، وذلك للرد به على الكلمات الجارحة لخصومه من المعسكر الغربي الذين كانوا يريدون استفزازه، ومن يومها، صار التاريخ يتحدث عن حكاية اسمها حذاء خروتشوف. وإلى غاية الأسبوع الفارط، ظل الحذاء في مفهوم العرب مجرد "صباط" أو" صرماية" ، إلى أن جاء " خروتشوف" العربي، وهو صحفي عراقي شريف اسمه منتظر الزيدي الذي شاهده العالم كله وهو يطيح على مرآى الأنظمة العربية وعلى المباشر بهيبة أمريكا بفردتي "صباط". أتخيل من موقعي، الصحفي العراقي منتظر الزيدي، وهو يقدم على هذه الخطوة الجريئة، لابد أنه كان يحدث نفسه ويقول للعرب جميعا إن "صباطي" هذا الذي دخل التاريخ بعد أن رجمت به بوش، هو أشرف من بلايير الدولارات التي تقتصونها من ميزانيات شعوبكم على حساب مأكلهم وصحتهم وتوهمونهم أنكم تصرفونها في برامج التسلح للدفاع عن الأوطان. وأتخيل من موقعي، الرئيس بوش وهو يطأطئ رأسه "لأول مرة"، تفاديا لفردتي "صباط" مواطن عربي بسيط، لابد أنه كان في هذه اللحظات يستعيد صورة عمرها خمس سنوات بالتمام، عندما جلس منتشيا يتابع آلاف العراقيين المغرر بهم، وهم يرجمون تمثال الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالنعال بعد سقوط نظامه في العام 2003. الله أكبر، وما أعدل التاريخ، حين يعيد نفسه على النحو الذي يتماشى وسنن الكون، وليس على الطريقة التي يختارها البشر، ولو كان بوش "وهو رئيس كل العالم" من الذين يحترمون التاريخ، ويقرأونه، لعرف وقتها أن العرب في تقاليدهم لا يرمون الشريف بالنعال، إنما يفعلون ذلك مع الوطئ فقط .. ولو قرأ بوش التاريخ، لأدرك أن الجبابرة كلهم انتهوا إلى مزبلة التاريخ، تماما مثل "الصباط"، عندما تنتهي الحاجة منه نرمي به إلى المزبلة.. والخلاصة يا بوش أنك بالفعل خرجت من التاريخ بفردتي "صباط"، أما حذاء الصحفي العراقي الشريف منتظر الزيدي فقد دخل التاريخ من بابه الواسع منذ أن فكر في ما أقدم عليه يوم رجمك والعالم كله يتفرج على المباشر، حتى أن سعره في أسواق العرب، وصل إلى عشرين مليون دولار.. وبعد أيام قليلة تنتهي عهدتك السوداء، لتغادر البيت الأبيض، ووقتها قد تتابع على شاشات التلفزيون مثل كل الناس، جموع العراقيين الشرفاء وهم يحتفلون بتاريخ "حادثة الصباط" يوما وطنيا للعراق.