أفردت مجلة القدس الصادرة عن حركة فتح الفلسطينية في عددها 246 ملفا خاصا بالرئيس الراحل ياسر عرفات بمناسبة مرور الذكرى الرابعة لرحيله تناولت فيه العديد من الجوانب الإنسانية والنضالية في حياة هذا الزعيم الفلسطيني وتطرقت إلى مسيرة ثورية امتدت منذ فجر الأربعينيات من القرن الماضي إلى السنوات الأولى من الألفية الحالية، إلى جانب مقالات شاهدة على عطاءات الرجل كتبتها أقلام معروفة. وحمل هذا العدد الخاص حوارا كان اجراه الشاعر الراحل محمود درويش مع ياسر عرفات تزامنا مع حلول العام الخامس عشر من عمر الثورة تطرق فيه الرئيس أبو عمار إلى أدق التفاصيل بدءا من تكوينه النضالي مرورا بميلاد الثورة الفلسطينية وصولا إلى أهم المحطات التي ميزت القضية الفلسطينية التي خرجت من جغرافيتها لتصبح قضية العالم العربي الأولى، في هذا الحوار اعترف الرئيس عرفات أن التأييد الأول الذي تحصلت عليه حركة فتح وهي في مهدها كان من الجزائر، حيث ذكر أن اتصال الحركة بالثورة الجزائرية كان عبر المجاهد محمد خيضر الذي قام بإجراء اتصالات واسعة مع الفلسطينيين، وأن أول مكتب لها فتح بالجزائر وكان أبو رؤوف مسؤولا عنه، وكان بالعاصمة ومن الصدفه يقول الرئيس أن هذا المكان كان لقائد فرنسي من أصل يهودي كان يستعمل قبوه لتعذيب الجزائريين، وأكد أن الجزائر بوابة الإنفتاح على العالم ذاكرا أن أول لقاء جمعه بالثائر غيفارا كان بالجزائر وأيضا بشتوآن لاي الذي دعا الوفد الفلسطيني لزيارة الصين، موقف الجزائر الثابت والذي ترجمته في الواقع عندما مدت يدها وتحالفت مع الفلسطينيين كان عكس بعض الدول العربية حتى دول الجوار، ففي تعرضه لموقف جمال عبد الناصر قال عرفات أن أجهزة عبد الناصر كانت تقدم له تقارير ضد الفلسطينيين، وأوهمته أنهم يعملون ضده وطرحوا عليه الإعتراضات الثلاثة المعروفة »التوقيت، والتنسيق والتوريط« مؤكدا أن حركة التحرير الفلسطينية لم تلق أي دعم رسمي من مصر إلاّ بعد حرب 67. بومدين قال: إذهب واطلق طلقة واحدة ثم عد إلي إنطلاقة الثورة الفلسطينية كانت تتأرجح ما بين مؤيد يستعجل تفجيرها وبين مؤجل يدعو للانتظار، لكن ارادة رجال عقدوا العزم كانت حاسمة، في هذا الشأن ذكر أبوعمار أنه عندما احتدم الحلاف بين أعضاء القيادة الفلسطينية، كان موقف الرئيس الراحل هواري بومدين حاسما إذا خاطب ياسر عرفات الذي قابله بوزارة الدفاع عام 64: »إذهب واطلق طلقة واحدة ثم عد إلي « وكانت أول عملية قام بها الفلسطينيون في دير نخاس في 21 ديسمبر 64 والتي استشهد فيها رمضان البنا تحت التعذيب في السجون الإسرائيلية. الثورة الفلسطينية كانت بمثابة إعلان الحرب على المستحيل، وكان لزاما على قادتها البحث عن التحالفات. فقال عرفات إن الجزائر كانت أول من تحالف مع الثورة الفلسطينية واعطاها الدعم السياسي والإعلامي، لكن الجزائر في موقعها الجغرافي بعيدة، فكانت سوريا الحليف الآخر موجودا على خط التماس، ذاكرا أن حافظ الأسد كان يهرب بعض الأسلحة من دون علم قيادته، هذه العلاقة اعطت بشهادة عرفات زخما للثورة الفلسطينية التي مثلت التحول الحضاري في المنطقة العربية مرت بلحظات خطر وقلق ولن تنكسر، كانت في كل مرة تخرج قوية بشعبها وبإيمان قيادتها. كامب ديفيد معاهدة صلح شرعنت الاحتلال وهددت القدس لم يخف ياسر عرفات في هذا الحوار قلقه من تأثير معاهدة كامب ديفيد على الشعب الفلسطيني، ذلك أن هذه المعاهدة التي كانت عبارة عن شروط وضعها بيغن وحملها كارتر ووقع عليها السادات، أضفت الشرعية على الإحتلال الإسرائيلي وأكدت تهديد القدس واعادت سيناء منقوصة السيادة، لذا شدد الرئيس على موقفه الرافض للإتفاقيات، وقال أنه لم يسجل على الثورة الفلسطينية أنها هزمت أمام الإسرائليين فكيف لها أن ترضى بالصلح المهزوم. أبو عمار خص حركة فتح بحيز كبير من إجابته في ذات الحوار، حيث تطرق إلى أهم المراحل التي مرت بها الحركة منذ ميلادها، لحظة المخاض بدأت مع بدء العمليات الفيدائية التي كان يقوم بها الشباب الثوري في غزة سنة 54 في الوقت الذي قرر الرئيس جمال عبد الناصر تشكيل مجموعات للفدائيين، وأكد أن رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة كانت بمثابة المؤسسة التي لم تتوقف في سنوات التيه الأولى وبيّن أن غزة ظلت المنطقة الوحيدة التي تحمل اسم فلسطين. وقال إن فتح ارتدت طابع النضج بعد حرب 56 واستطاعت أن تجسد عبر السنوات أمال الشعب الفلسطيني، فتح في رؤية زعيم الثورة الفلسطينية ليست جبهة أو حزبا إنها رقم لا يقبل القسمة ولا الجمع ولا الطرح، وإنما يقبل التفاضل والتكامل، ومع ذلك فإن الرئيس دعا إلى الوحدة وقال المصالحات العربية تساعد على الوحدة لأنها تخفف المشكلات داخل الساحة الفلسطينية. العدد الخاص بذكرى وفاة الرئيس حمل أيضا نفس الخطاب الذي ألقاه الرئيس ياسر عرفات في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 نوفمبر 1974 وهي أول مشاركة لمنظمة التحرير الفلسطينية في مثل هذه الدورات والتي جاءت إنتصارا للمساعي والجهود التي بذلتها الدبلوماسية الجزائرية والتي كان على رأسها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والتي توجت بدعوة وجهتها هيئة الأممالمتحدة للمنظمة للمشاركة، وكان ذلك بفضل الجزائر التي اسقطت كل الرهانات والعقبات من أمام الوفد الفلسطيني الذي حضر الجمعية برئاسة ياسر عرفات الذي رحل عن هذا العالم بعد أن صارع مرضا عضالا دون أن يصلي في القدس عاصمة الدولة الفلسطينية كما كان يؤمن به.