لم يكن ممكنا أن أتجاهل حدثا وطنيا بحجم الانتخابات الرئاسية التي تميزت عن سابقاتها كونها تأتي في ظروف داخلية و خارجية مختلفة و لأن غيرنا ينتظر دائما ليجعل منا موضوعا لسرد السلبيات و الوقوف عند مظاهر الفشل وتغييب الإحساس بالمسؤولية عند المواطن الذي يصبح البطل المطلق و الحلقة الأساسية في سلسلة الإستراتجية المنتهجة لمشاركة شعبية كبيرة من أجل حدث يصنعه الناخب بحسه المسئول في عدم تفويت فرصة إثبات وجوده عن طريق أداء واجبه الانتخابي دون تردد و بعيدا عن أي ضغط اجتماعي . فجميع الشعوب و المجتمعات بكل مكوناتها تسعى لضمان السعادة العامة المشتركة و هي الهدف السامي الهام و الحق المشروع لكل فرد و عائلة و مجتمع في العالم. لكن الأهم هو كيفية توفير المستلزمات و الآليات و الطرق المشتركة للتوجه نحو الهدف المنشود و في مقدمتها الإحساس العفوي بالواجبات العامة. فمن الناحية السياسية يأتي ترسيخ الحرية و الديمقراطية و الأمن و الاستقرار السياسي الاجتماعي الشامل و المساواة في الحقوق و الواجبات و المسؤوليات و التوازن في مشاركة الفرد في الشؤون العامة كعامل فاعل في التنمية و التقدم للبلاد في مقدمة الشروط. و إذا كانت هذه المقوّمات و الركائز تلبي جزءا يسيرا من الدوافع الهامة لبناء الإحساس و الإيمان بالمواطنة الحقة و التي بدورها تدفع المواطن من تلقاء ذاته في التفكير و العمل و الإحساس بالمسؤولية تجاه البلد و الشعب، فالدوافع الحقيقية للأحاسيس المطلوبة لتقدم البلد هي توفير الأعمدة الرئيسية لبناء الكيان الأصح و المواطن الايجابي و حامل للفكر الصحي لتحمل المسؤولية اللازمة من اجل العمل و تنفيذ الواجبات. فالعوامل السلبية التي تتمثل في العديد من الممارسات الخاطئة للرموز و الشخصيات و الكيانات و التي تنعكس سلبيا على الفرد وتؤثر بشكل مباشر و قوي على تفكيره و جوهره لما شاهده من التمييز و انعدام الخدمات و زيادة البطالة واستئثار القوى بالمناصب، تدفعه للتعبير السلبي و العلني عن رفضه في أداء واجبه انتقاما لوضعه الآني على حساب قرار مصيري قد يكون نقطة حاسمة في سلم التغيير المرغوب فيه و به نتأكد بان توفير المستلزمات و الركائز يولد الإحساس بالمسؤولية للفرد تجاه الوطن و بها يمكن أن نضمن نسبة جيدة من السعادة المشتركة للشعب و يمكن إزالة العوائق بروح و معنوية عالية عند توافق الحقوق و الواجبات المتساوية و هي الخطوة الأولى و الشرط اللازم لتقدم البلد و هو ما تتمتع به البلدان المتقدمة. من جهة أخرى فإنه إذا كان الشعور بالمسؤولية يعتبر إحدى الخصائص الأساسية المطلوبة في الموظف الإداري الذي غالبا ما يعرف بأنه الموظف المسئول ،فلا يمكن أن يكون هذا الإحساس طريقة لتملك الأشخاص و فرض الفكر ذو الاتجاه الواحد بل فتح عدة طرق لعبور الأفكار و خلق فضاء لسماع الآخر و تقبل الغير ،لأن العزف على وتر واحد يولد الضجر و الهروب . فالإحساس بالمسئولية هو إحساس بالآخر و تكامل معه و منهجية في التعامل مع الحقوق و لكن تبقى الواجبات مقدسة لا يمكن أن تساوم مثل الخضر بين المواسم. و الواجب ممنوع من السؤال عن تأديته و لا يمكن إهماله لمجرد نزوة، والغائب هو المخطئ .