نشرت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم ملخص كتاب صدر للكاتب الأمريكي دان آريلي أستاذ الاقتصاد السلوكي في كلية " سلون " للإدارة في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا الذي يشغل وظيفة مشتركة في معامل المعهد للإعلام ووسائل الإتصال ، الكتاب تحت عنوان توقع اللامعقول أو المحركات الخفية لقراراتنا، قامت المؤسسة بتلخيص أهم الأفكار من خلال إبراز بعض الأمثلة التي جاءت راقية في عصر يعجّ بأفكار تتناول ظاهرة العولمة خصوصا العولمة الاقتصادية التي قادت العالم الى التهلكة نتيجة لجشع البنوك خصوصا البنوك الأمريكية . يقول الكاتب الأمريكي أن الفرق بين الاقتصاد العادي والاقتصاد السلوكي أن الأخير يتطرق الى " اللاعقلانية " و اللامنطق الذي يحكم قراراتنا ، في حين يفترض الأول أن كل الناس منطقيين ، يدفعهم حسن تقديرهم للأمور والقيمة الكامنة في الخدمات والمنتجات الى اتخاذ قرارات سليمة مما يساعدهم على الشعور بالسعادة ، ويعتقد أن المتخصصين في الاقتصاد السلوكي يرون أن الناس يتعرضون للكثير من المؤثرات السلبية غير المنطقية مثل سيطرة العواطف على سلوكهم وضيق آفاقهم فيقعون ضحايا لاختياراتهم واختيارات من حولهم ،وهنا يحضرني دراسة قام بها باحث اجتماعي حول مواقف وسلوكات الناس تجاه الغير حيث قام بتقديم كتاب لطلبة الجامعات بدون تحديد هوية الكاتب وطلب منهم تقديم انطباعات أو انتقادات جاءت في أغلبيتها إيجابية مع العلم أن لهؤلاء الطلبة انتماء سياسي وإيديولوجي مغاير لسياسة وأيديولوجية الكاتب المجهول وبعد الكشف عن هوية الكاتب تغيرت مواقف وانتقادات الطلاب من الإيجابية الى السلبية وهنا يؤكد أن سلوكات الأفراد تسيطر عليها العواطف أكثر من القرارات العقلانية . يقول الكاتب أن رواد الاقتصاد التقليدي الكلاسيكي يقولون بأننا عندما نخطئ نتعلم من أخطائنا أو تحت ضغط قوى السوق التي تحركنا فنتمكن من رسم الخطط وتحديد الاتجاهات الشرائية وتحويلها الى سياسات فعالة ، لكن الحقيقة أن البشر يتصرفون بطرق غير منطقية وعشوائية ،وما تلبث هذه التصرفات غير المعقولة أن تصبح متوقعة ومقبولة بسبب نزوع الناس الى تكرارها ،ويقدم الكاتب أمثلة على ذلك منها أثناء تصفح الأنترنيت الى المواقع الألكتروني لمجلة " الإيكونومست " وجدت العرض التالي : 1- تصفح أعداد المجلة إلكترونيا نظير 59 دولار في العام 2- اشترك في الطبعة الورقية من المجلة نظير 125 دولار 3- اشترك في الطبعتين الإلكترونية و الورقية مقابل 125 دولار فقط يقول الكاتب وهنا رحت أتساءل لماذا تتساوى تكلفة الإشتراك في الطبعة الورقية مع تكلفة الطبعتين الورقية والألكترونية معا ؟ لقد تأكدت أنه ليس في الإعلان خطأ مطبعي كما تتصورون ، بل هي استراتيجية إدارة التسويق في الإدارة المركزية للمجلة في لندن ، حيث أراد المسوقون الإيحاء بأن الزبون عندما يشتري الاختيار الثالث ، فإنه يحصل على الطبعة الألكترونية مجانا ، فإذا ما تساوت قيمة الاشتراك في النسخة المطبوعة وحدها ، بقيمة الاشتراك بها والنسخة الإلكترونية أيضا فإن الجميع سيعمدون الى الخيار الثالث ليحصلوا على ميزة أو قيمة مضافة تساوي 75 دولارا . ويحلل الكاتب الوضعية ويقول أن الناس لا يختارون الكليات بل يميلون إلى تقسيم كل شيئ إلى أجزاء ومقارنة كل جزء بالآخر، فالناس ينظرون الى المنتج " س " مقارنة بالمنتج " ص " ثم يقررون أيهما أكثر قيمة فيختارونه ،أو أقل قيمة فيهملونه وهذه هي خطورة النسبية فربما نترك الأجود لنحصل على الأرخص فنمنى بخسارة فادحة بدت وكأنها فرصة سانحة ،وقد جاءت نتائج استطلاع 100 طالب في مدرسة إدارة الأعمال كما يلي : 1- الاشتراك في النسخة الالكترونية نظير 59 دولارا ل16 طالبا . 2- الاشتراك في النسخة الورقية المطبوعة نظير 125 دولار ولا طالب . 3- الاشتراك بالنسختين الإلكترونية والمطبوعة نظير 125 دولارا ل 84 طالبا . يقول الكاتب أن الاختيار الثالث هو فخ أو أداة تضليل ، والدليل أنه مع إلغاء العرض الثاني جاءت النتيجة على النحو التالي : 1- الاشتراك نظير النسخة الالكترونية 68 طالبا 2- الاشتراك بالنسختين الالكترونية و المطبوعة 32 طالبا ويحلل الكاتب الظاهرة بأن معناه أن الاختيار لم يكن غير منطقي وغير معقول فحسب بل متوقعا أيضا، فهو يكشف السلوكيات المتجذرة والمحددة لخط سير المخ البشري، فهو دائم النزوع إلى المقارنة والمفاضلة سواء بين الوظائف أو المواقف أو المشاعر أو الخواطر . فاتح لعقاب