عندما طلعت علينا الصحافة العالمية بنبأ هذا اللقاء السري، تسمرت في مكاني من فرط الفزع، وتملكني هلع غريب وأحسست كأن أطرافي قد تثلجت. ولكن بعد تفكير عميق قلت في نفسي هذا العصر هو عصر المفاجآت وكل شيء فيه ممكن، وإلا كيف يحدث لقاء بين صقر وثعلب، وأكثر من هذا كله أن سبب اللقاء هو التفاوض حول من يفوز بخطبة غزالة، لذلك اتصلنا بالغزالة وطلبنا بعض التوضيحات فكان لنا معها الحوار التالي: * يعلم الجميع أنك أفضل الحيوانات من حيث الجمال والرشاقة والسرعة الفائقة وكل حيوان يتمنى الفوز بك لكن عندما سمعنا أن صقرا وثعلبا سيلتقيان من أجل الفوز بك أندهشنا، وسؤالي الأول هل سمعت بهذا اللقاء وما الهدف منه. - الغزالة: انتهى عهد الدلال والمجاملة، وبدأت الأمور في الظهور على حقيقتها، وعادت عجلة الحياة إلى الدوران دون تزاويق، وبلا أقنعة، وقد سمعت مثلكم أن هذا اللقاء سيعقد في أحد الغابات الأوروبية ويهدف حسب علمي إلى التفاوض من أجل الحصول علّي. * هل سمعت أو تعرفت على الصقر وهل فعلا يحبك ويريد الزواج بك؟ - بدأ الاحتكاك مع طويل العمر منذ سنوات، ولكن عدم التوازن الفكري، والتباين الاجتماعي والبيئي حال دون اللقاء معه، وأنا أفضل السماع عنه خيرٌ من أن أراه وهو كما قال شقة ابن خمرة »اذا كان هذا يغير على مال النعمان... ويطلبه النعمان فلا يقدر عليه وكان يعجبه بما سمع عنه من شجاعة وإقدام.. فأمنه فلما رآه استزرى منظره لأنه كان ذميم الخلقة.. فقال مثله المعروف.. تسمع بالمعيدي خير من أن تراه«. * لكن ألا تعتقدين بأن الصقر هو من ذلك الصناف الذي له وجهان مختلفان أو سلوكات متباينة ويمكن أن يغير رأيه في آية لحظة. - هذه وسيلة لرؤية الحياة ولا يمكنني أن أتأقلم معه. إنه يعيش الحرمان والإحباط والأحلام التي لا تتحقق. * هذا بالنسبة إلى الصقر فكيف الحال بالنسبة إلى الثعلب؟ حاولت معه كثيرا كي يبتعد عني لكنه رفض. * هذا معناه أنه يحبك - إن الثعلب واثق من نفسه ولا يحتاج إلى حيوان يشاركه حياته والسبب في ذلك يعود إلى مكره ومناوراته ودسائسه وطريقته الجهنمية في الانقضاض على فرائسه، وبالتالي لا أدري ماذا أصابه حتى يتقدم لخطبتي، فهو يعرض مسبقا أنني لن أوافق على ذلك مهما حصل وأقول لك بكل صراحة أنني انفجرت غضبا عندما سمعت بهذا اللقاء من أجلي. * ولكن سيدتي هل تستطيعين العيش بدون حب؟ أغمضت عينيها الجميلتين وقالت: إنني أبحث عن حيوان يتمتع بعاطفة قوية وحنان ويكون قادرا على إسعادي، وإذا لم أجد حيوانا يتمتع بهذه الخصال أهب حياتي لكل الحيوانات الصغيرة وتربيتها واكتشاف سر الأنهار والمنحدرات وتسلق الجبال والتمتع بدفء الشمس في أيام الربيع. * سؤالي الأخير سيدتي، يعتقد الكثير أن ضغوطا كبيرة استعملها الأسد لعقد هذا اللقاء، هل هذا الكلام فيه شيء من الحقيقة؟ - أنت تعلم بأن الأسد لم يصبح ذلك الحيوان القوي كما كان زمان، ويعود ذلك إلى وجود وظهور بعض الديناصورات أكثر منه قوة، وبالتالي فهو يعيش قرنه الأخير وحسب علمي فإنه عاجز عن تغيير مواقفه تجاه الثعلب ويفضل البروز مع الطيور الصغيرة والابتعاد قدر المستطاع عن أماكن تواجد الثعلب وترك له المجال لكي يتحرك في كل الغابات، لذلك أقول لك أنه راض تماما الرضى عن دور الثعلب في الغابات، وخاصة عندما حدد الأسد خيارين إما أن تكون معه أن تكون مع الديناصورات. وحتى تكتمل مهمتي رأيت أنه من واجبي الالتقاء بهما على انفراد حتى أعرف قصة حبهما للغزالة. فكان لقائي الأول مع الصقر، فسألته عن حقيقة حبه للغزالة فقال طويل العمر: ألخص حبي للغزالة في بعض الأبيات التي قالها حمزاتوف "إذا أحبك يا غزالة ألف حيوان فاعلمي أن حمزاتوف بينهم، وإذا أحبّك حيوان واحد فقط فاعلمي أنه حمزاتوف وإذا لم يحبك أحد وكنت تشعرين بالأسى فأنظري إلى الجبال لتعلمي أن حمزاتوف قد مات هناك ". إذن لماذا لم تعمل الكثير من أجل الفوز بها؟ لقد وقف في طريقي الثعلب. إذن يمكنك التخلص منه. لا أستطيع فعل ذلك لأنه بكل بساطة تحت الرعاية السامية لسيادة الأسد. لكن إذا كنت بالفعل تعيش أيام الحب فعليك بالتضحية قال: لسنا في عصر التضحية من أجل الحب ولكني مستعد أن أضحي في سبيل الأسد. والأسئلة نفسها طرحتها على الثعلب، فأجاب: أنت تعرف النفوذ الكبير لنا في الغابة كلها. فالثعالب حيوانات ذكية ماهرة وهي قليلة العدد، لذلك لا نصلح مع خصومنا في ساحات مكشوفة، إننا نختبئ بعيدا ونحقق أغراضنا عن طريق الدس والخديعة والإحتيال، والثعالب يمقتون الصقور منذ زمن بعيد. وأما الغزالة فهي كما يقول الشاعر ما أنت إلا دمية ** يلهى بها يوم العيد إذا لماذا تعمل جاهدا للفوز بالغزالة، قال ومن أعجب ما يخضع له الناس من أوهان تسمية الحب وإحاطتها بهالة من القداسة، فإنني اعتبر هؤلاء من ضعاف العقول لكنني استعمل الحب فقط عند الحاجة أو عندما أدس على عقول السذج والهدف الأساسي من كل هذا العصف بالصقر، وقد حققت ذلك وكنت سعيد جدا عندما هجمت الطيور على نطاق واسع على الصقر الذي أساء إليهم بخطوته هذه. في الأخير التقيت ببعض الطيور وسألتهم عما فعل الصقر فقال أغلبهم إن ما حدث إهانة لنا جميعا ولا يمكننا أن نغفر للصقر، فقد استخف به الثعلب ولم يحرك ساكنا. إن الأمر يدعو إلى العجب أن يقول لك أحد الحيوانات: دع حبك وانسحب، بعد ذلك بدقائق التقيت بالأسد فسألته عما جرى فقال لقد نجحت في خلق قوى تكفر بالصقور أشد الكفر وجعلت منه أضعف الطيور وتمكنت من جعل الثعلب يصل إلى الذروة، أما الصقور فقد تمكنت من فضحهم أمام أصناف الصقور وكشف حقيقتهم أمام جميع الطيور.