بمجرد ما أعطيت إشارة الانطلاق للمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني دخلت الساحات العمومية و القاعات المختلفة في حركة متواصلة عل إيقاعات صنعتها أسماء افريقية لامعة تعودت على معرفة عدد جمهورها من خلال التذاكر المباعة و رغم تخوف المنظمين من عدم حضور الجمهور بكثرة باعتبار الدخول مجاني و لكن المفاجئة كانت أكبر و احتار كل واحد في أي وجهة يذهب و الخيار صعب بين أسماء من الوزن الثقيل .و خاب من ظن أن الجزائري قطع الحبال بينه و بين الفرحة التي ترجمتها اللوحات الفنية اللامنتهية و التي التقى من أجلها آلاف الفنانين الأفارقة و أغلبهم يزورون الجزائر لأول مرة . أصبح الحديث بين الجيران حول برنامج السهرة الذي لم تسعه القاعات و الفضاءات العمومية حيث خرجت له العائلات الجزائرية تتذكر فرحة المهرجان الأول لسنة 69 و اليوم تزورها الفرحة مرة أخرى و تطرق الثقافة بابها لتأخذها دون جواز سفر في رحلة بل رحلات كلها متعة و بهجة نحسد عليها اليوم و نحن نطوي كل الصفحات المؤلمة و نضمد جراحنا النفسية قبل الجسدية. هكذا تولد الفرحة من الحزن ليظهر الإنسان المضياف الذي تعلم كيف يتجاوز الظروف دون أن تتجاوزه و كيف يتبنى الآخر حتى يصبح جزءا منه و إلى أي حد هو متعطش للفرحة التي تعددت أشكالها و ألوانها فجعلت من إفريقيا السمراء الفاتنة ملهمة العشاق من مسرحيين و سينمائيين و هي الأم الصامدة في وجه تاريخ لم يرحمها الزمن من الطامعين و المتكالبين الذين استعبدوا أبناءها و نهبوا خيراتها ،فكانت جراحها أسلحة لأكبر الثوار و منها تعالت كل صيحات التحرر رافضة لكل أشكال الاستعباد. التقينا نحن الأفارقة أبناء الأمير عبد القادر و منديلا و مريم مكيبا و غيرهم ممن أهدوا إفريقيا صفحات تاريخ من ذهب كافية لأن نجعل منها أوسمة و نقيم لأجلها الأفراح فوق أرض عرفت أحزانا كثيرة ،ومع هذا فهي تقدر أهمية الفرحة التي من أجلها تناسى الكثيرون أحزانهم ليسعد الجميع في مواكب اختلطت فيها الأنغام فصارت سيمفونية افريقية الأصل بكل أبعادها الضاربة في جذور التاريخ الذي يعترف للأرض السمراء بأمومتها للإنسانية و إنجابها للعظماء . أربعون سنة تغير فيها الكثير إلا شيء واحد هو الإحساس بالانتماء الذي عبر عنه الشباب بإيقاعات مختلفة و تعابير فنية في الرقص و المسرح و السينما. فنون تقاطعت فيها كل الأحاسيس وانصهرت في فضاء واحد فلم يعد للكلمة ضرورة و لا للمترجم فائدة لأن الأرواح تعانقت و رقصت على قرع الطبول و اتفق الجميع على أن هذا المهرجان هو بمثابة تذكرة للجنة.و هل نريد أكثر من أن نكون أرضا للحياة و ملتقى للإبداع و مصارحة الذات التي تغذت من النضالات السابقة و لا زالت، فما أحوجنا للم شملنا بحجم قارتنا و جعله يدا واحدة لرجل أسمر يريد لمس الأفق الأبيض ...