قال سقراط عن أحد تلامذته : ''ماذا يمكنني أن اعلمه؟ طالما لايحبني.'' عبارة مهمة نفهم منها أنه لا بديل عن العلاقة القوية بين المعلم و التلميذ لتحقيق النتيجة التي يرجوها الأولياء باعتبار التعليم قاطرة التنمية للمجتمعات،فلا يمكن الحديث عن تطور وتقدم مجتمع دون النظر إلى مستوى التعليم به ، ولأن المدرسة بمثابة المعمل والمصنع الذي يفبرك الموارد البشرية التي يعتمد عليها كل المجتمع .ولهذا نجد أن هناك ارتباط وثيق بين مستوى التعليم والتربية وتطور المجتمع وتقدمه ، ونجده بدرجة اكبر بين وضعية رجل التعليم ومستوى التعليم لكون المعلم هو قائد قاطرة التعليم وبالتالي التنمية . إن العمل التربوي والتعليمي عمل متشعب ومعقد في نفس الوقت لكون الرسالة التي يحملها موجهة أساسا إلى الإنسان ذاته وما يزيد الأمور تعقيدا هي أن حامل هذه الرسالة هو إنسان كذلك له خلفيات وله شخصية وله إحساس وعواطف ، كان بالأمس مستقبلا لهذه الرسالة وبعد ذلك أصبح مرسلا لها .وهذا ما يجعل مهمة المعلم مهمة صعبة وكبيرة في نفس الوقت لأنه هو قائد العملية التعليمية. فهل دور المدرس في العمل التربوي محدد أم أنه حسب الموقف ؟ وهل يمكن لنا فعلا وضع خطة مسبقة نحدد فيها ما يجب على المدرس القيام به داخل الفصل؟ أم أن المدرس عليه التسلح بكل الوسائل ، وعلينا أن ننظر إليه كرجل حرب وبالتالي فعليه أن يتوقع كل شيء في الميدان ؟ إننا كلما نزيد تمعنا في دور المدرس نجده فعلا دورا صعبا جدا ، فهو يتقمص عدة شخصيات أن يكون منشطا ، مربيا ، معلما ، قائدا ، رساما ، خطاطا ، أبا ، أما ،أخا ، قاضيا ، رياضيا... بمعنى أدق أن يكون كل ما نريده من أبنائنا و وكل ما يمكن أن يكون مستقبلا لأطفالنا ، لأن المثال والنموذج بالنسبة للتلميذ هو مدرسه والصورة المثلى بالنسبة له دائما هي صورة معلمه أو أستاذه .فقد يؤثر رأي المدرس على رأي الأبوين لدى الطفل ، فكيف لنا أن نصلح التعليم دون النظر إلى هذا الرجل القائد الذي هو كل شيء في حقيقة الأمر بالنسبة للتعليم ؟ فلا يمكن للقاطرة أن تسير دون الاهتمام بوضعية المدرس النفسية والاجتماعية والمادية والاقتصادية والمعرفية . إن عملية التدريس لا تعتمد على المساعدات الخارجية التي توهب لها من مختلف فروع العلم الإنساني فحسب، بل يجب على صاحب هذه المهنة أن يفهم مهمته وواجباتها وأن يسعى لتزويد نفسه بكل الوسائل التي تمكنه أن يقدم مساعدة ايجابية لتحقيق واجبات مهنته على أكمل وجه ممكن و هي لا تقتصر على استيعاب وفهم المادة الدراسية والعلمية وإعطائها وتمريرها للمتعلم والطفل فحسب، وإنما فهم ذاتية الطفل وفرديته ونوع الجماعة التي يعيش فيها ويطلع بكيفية عميقة على مراحل نضجه ونموه الحركي والجسدي والعقلي والحسي، لتحسين العملية التعليمية التربوية، والارتقاء بها إلى الأهداف المنشودة والمسطرة من طرف المجتمع وبذلك يكون المدرس عبارة عن مربي ومدرس في نفس الوقت فهو الذي يملك التوجيه لنتائج العوامل المؤثرة في النمو التربوي توجيها يتفق ومصالح المجتمع واكتمال نمو شخصية الطفل . إن التلميذ لا ينظر إلى المدرس كمصدر للمعرفة فقط بل يبحث فيه عن الجانب الإنساني، وبالتالي فإن الطابع الذي يجب أن تكتسيه علاقة المدرس بتلميذه هو طابع إنساني بالدرجة الأولى مبني على القيم الإنسانية والأخلاقية السامية وعلى التواصل الأفقي وليس العمودي كما هو الشأن في الطرق التقليدية . وعلى المدرس أن يكون محاطا بالمستوى العقلي والنفسي للتلميذ ، وكذلك تكوينه المعرفي دون إغفال ظروف عيشه ومحيطه ، ومناخ أسرته كميكانيزمات فاعلة ومؤثرة تحدد مستوى التلميذ داخل القسم ، ومدى الانسجام او العزلة في علاقته بأصدقائه.ولأن علاقة المدرس بالتلميذ المبنية على السلطة وعلى المادة الدراسية فقط ، والعلاقة التي تعتبر التلميذ اقل قيمة إنسانية من المدرس ، تسفر عن نتائج سلبية منها ضعف النتائج وضعف التواصل وكذلك شعور التلميذ بالعدوانية وبالتالي التسرب او الانقطاع المبكر عن الدراسة .ولهذا كلما تقرب المعلم من التلاميذ واهتم بشؤونهم وحاول ان يشركهم هموم الفصل وفي كل صغيرة وكبيرة تتعلق بجماعة القسم الا وكانت النتائج ايجابية والإقبال على التحصيل والمشاركة في تزايد مستمر لان التلميذ في هذه الحالة يحس بمسؤوليته وبدوره داخل الجماعة التي ينتمي اليها . ولا يكفي للمعلم أن يحمل معه إلى القسم محفظة مملوءة بالمراجع والمقررات بل من الضروري أن يحمل معه الحنان والعطف والمحبة والمعاملات الإنسانية أولا قبل المعرفة والخبرة لأنه بصدد التعامل مع كائن بشري وفي سن هو بحاجة إلى ذلك. لنخلص في القول أنه بقدر اهتمامنا بالمدرس بقدر ما كانت رأيتنا للمستقبل متفائلة.