اختصرت مصادر مطلعة، تحدثت إليها ''المستقبل'' موقف الجزائر من مطلب ، في مسألة وقت، وذكرت أن الجزائر لم تتسبب في هذا المشكل، في إشارة إلى إعلان الرباط أولا لفرض تأشيرات على الجزائريين الراغبين في الدخول للأراضي المغربية، و قالت:''يجب ترك الأمور إلى حين يندمل الجرح''. وألمحت مصادرنا إلى شروط جزائرية، مقابل التعاطي إيجابيا مع مطلب المغرب فتح الحدود البرية، حددتها في إرساء تعاون أمني بين البلدين، ومحاربة كافة أشكال التهريب عبر الحدود، ومكافحة تهريب المخدرات، والحد من الهجرة السرية. حيث تقابل الجزائر دعوات المغرب بفتح الحدود البرية المغلقة منذ 15 سنة، ببرودة مستندة إلى موقف ظل قارا من سنوات، مفاده أنه لا حديث عن فتح الحدود دون طرح على بساط المفاوضات جل القضايا العالقة بين البلدين وأهمها القضية الصحراوية. وراء هذا الوضع مواقف متشنجة زجت في جدلية مد وجزر بين إلحاح مغربي بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل حادثة فندق ''أطلس أسني'' وبين موقف جزائري لا يلين إلا بحل شامل غير مجزأ لجميع القضايا العالقة بين الجزائروالرباط، على أن يكون فتح الحدود جزء من حلول وليس الحل ذاته. فالجزائر لا تستفيد من فتح الحدود مع المغرب بقدر ما يستفيد المغرب من ذلك، معادلة أكدتها تقارير جمركية ودراسات أعدها خبراء اقتصاديون من البلدين، تؤكد تكبد المغرب خسائر تقدر بملايير الدولارات عقب صدور قرار إغلاق الحدود البرية المشتركة في .1994 ------------------------------------------------------------------------ من الرابح و من الخاسر من الرابح ومن الخاسر في حالة إعادة فتح الحدود البرية بن الجزائر والمغرب؟ هو تساؤل يمكن الإجابة عنه لو تمعّنا في الواقع الاقتصادي للبلدين، فالجزائر تعيش وفرة مالية غير مسبوقة بفعل ارتفاع أسعار النفط، بينما يعرف المغرب مستويات عالية من البطالة وتشهد منطقته الشرقية المطلة على الجزائر ركودا سياحيا متواصلا أدى إلى إغلاق مئات الفنادق بوجدة وضواحيها وأثر على النشاط السياحي العام للبلد في الفترة الممتدة ما بين 1995 و ,2005 وهنالك من يتحدث عن خسارة سنوية تقدر ب 4 ملايير دولار في الاقتصاد المغربي ناجمة عن توقف حركة السياح والتجار من الجزائر إلى المغرب. هذا لو استثنينا مداخيل المواد المهربة عبر الحدود والتي حققت حسب غرفة التجارة والصناعة لمدينة وجدة المغربية 6 ملايير درهم في 2004 مثلا. علما أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين ضعيفة جدا ولا تتعدى 6 ملايين دولار. ويرى الخبير الاقتصادي الدولي، مالك سراي، أن الرابح الأكبر من مسألة فتح الحدود هو المغرب، وأن فتح الحدود سيخلق حركة تجارية في توجه واحد بنسبة 90 بالمائة لصالح المغرب و10 بالمائة فقط لصالح الجزائر، لأن الجزائر باعتبارها من أقوى البلدان المستوردة يمكنها أن تدر على المغرب أرباحا لا تقل عن 3 ملايير دولار سنويا. وأول منتوج تستهلكه الجزائر في المغرب سيكون المنتوج السياحي، حيث يتوقع وبمجرد فتح الحدود تنقل مليون ونصف سائح جزائري إلى المغرب برا وهو العدد الذي يمكنه أن يتضاعف مع مرور السنوات، مما يساهم في انتعاش النشاط السياحي الذي يعتمد عليه اقتصاد المغرب في ظل افتقاره لمصادر دخل أخرى كالمحروقات. كما يمكن للمغرب تحسين صادراته نحو الجزائر في حال فتح الحدود، خاصة في المجال الزراعي كون المغرب معروف بمنتوجاته النوعية من الخضر والفواكه وبيد عاملة مؤهلة في هذا المجال لا تنتظر إلا الضوء الأخضر للجوء إلى المزارع الجزائرية هروبا من البطالة التي تنخر المجتمع المغربي. ------------------------------------------------------------------------ لهذه الأسباب ترفض الجزائر فتح الحدود أكدت مصادر متطابقة أن الجزائر لن تفتح الحدود البرية مع المغرب، إلى غاية توصل البلدين إلى توافق مشترك يضمن ضبط ''الإدارة الأمنية'' للمناطق الحدودية بين البلدين حيث أن مسألة فتح الحدود البرية بين البلدين باتت محل تداول، لكن الأمر الوحيد الذي يجرح الجزائر، هو قرار الرباط فرض تأشيرات على الجزائر واتهامها بتشجيع الإرهاب، وبعد سنوات قررت الرباط أمرا آخر بأن قررت إلغاء التأشيرة على الرعايا الجزائريين، لكن مصادر متابعة لتطور العلاقات بين البلدين، رأت أن قرار المغرب إلغاء التأشيرة على الرعايا الجزائريين لا يخرج عن حدود ''لعبة إعلامية'' لعدة أسباب متصلة بالملف، ومنه استبعدت أن يكون موقف الجزائر ''خاضعا لمثل هذه المؤثرات الظرفية''، رغم أن الجزائر ردت بإلغائها أيضا بعد عام دون فتح للحدود، وقد فضلت الجزائر، كما أشار ملاحظون، التعامل ''بهدوء'' مع ما تصفه بعض الأوساط ب''العملية الاستعراضية'' من خلال المطالبة فتح الحدود البرية . ومن جانب ثان، فالرباط، مثلما يشير الملاحظون، قامت بإلغاء العمل بالتأشيرة على الرعايا الجزائريين، لكنها تجاهلت بالكامل تصحيح الوضعية الناجمة عن هذا الشرط الذي فرضته على الرعايا الجزائريين الذين كانوا في التراب المغربي يوم 26 أوت 1994 حيث تعرض المئات منهم إلى سوء معاملة وإهانات مشينة في مختلف المؤسسات، وتم اقتيادهم بالقوة والتعنيف إلى الحدود ومراكز النقل للتخلص منهم، وهو ما دفع أحد الملاحظين إلى القول بأن ''الرباط أعلنت إلغاء العمل بالتأشيرة لكنها لم تقدم اعتذارا رسميا على سوء المعاملة الناجمة عن قرارها الانفرادي''. ومنه فإن اعتماد الجزائر على مبدأ ''اللا حدث'' في التعامل مع الطلبات المغربية المتكررة، يهدف بالأساس إلى تجنب أن يتحول قرار الرباط إلى عملية استقطاب تهدف في النهاية إلى خلق ''تطبيع وهمي'' يستغل كسند سياسي ودبلوماسي لفائدة الرباط في محاولتها جر الجزائر إلى حلبة التفاوض حول قضية الصحراء الغربية، وهو الموقف الذي ترفضه الجزائر من أساسه، سواء ضمن المبادرة الرباعية أو غيرها من المبادرات التي تسعى باريس ومدريد إلى وضعها على بساط ''التفكير''.