حلت أمس وزيرة الدولة الفرنسية المكلفة بالتجارة الخارجية، آن ماري إيدراك، على رأس وفد مهم من رجال الأعمال ورؤساء الشركات الفرنسية، وتكون الوزيرة إيدراك التقت خلال هذه الزيارة بعدد من المسؤولين الجزائريين، يتقدمهم الوزير الأول أحمد أويحيى، ووزير المالية كريم جودي. تعد الزيارة فرصة للوزيرة الفرنسية ورجال الأعمال والمستثمرين الفرنسيين لسماع وجهة نظر الحكومة الجزائرية بشأن الإجراءات ومجموعة القوانين التي سنتها الحكومة الجزائرية مؤخرا لتنظيم الاقتصاد، وهي إجراءات استقبلت بتحفظ من طرف الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر، واعتبرتها بعض الأطراف مقيدة للمستثمرين الأجانب. من جهتها، ستكون الوزيرة الفرنسية مطالبة بتقديم إجابات على أسئلة كثيرة يطرحها الجانب الجزائري، فيما يتعلق بالاستثمارات الفرنسية المباشرة، خاصة وأن الفرنسيين، حسب وجهة النظر الجزائرية، لم يقدموا ما كان منتظرا منهم في هذا المجال، لأن أغلبية الشركات الفرنسية تسعى لجعل الجزائر سوقا لمنتجاتها، وحتى وإن كانت باريس تؤكد أن فرنسا تبقى المستثمر رقم واحد خارج قطاع النفط، حسب ما هو سائد بالجزائر. والزيارة هي الأولى لمسؤول فرنسي منذ حوالي عامين، علما أن الزيارات التي كانت مبرمجة خلال الأشهر الماضية لوزراء فرنسيين تم إلغاؤها بسبب التوتر الذي عرفته العلاقات بين البلدين، والذي كان أيضا وراء تأجيل زيارة الدولة التي كان من المفروض أن يقوم بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى فرنسا بعد الدعوة التي وجهها له الرئيس نيكولا ساركوزي. ويهدف حضور الوزيرة إلى عرض خبرة الشركات الفرنسية والتفاوض مع شركاء اقتصاديين ومسؤولين جزائريين حول إمكانية خلق مناخ أعمال يسمح بمزيد من التعارف بين الطرفين بغرض تحديد المجالات التي يمكن تعزيز التعاون فيها، وأفيد أن المبعوثين الفرنسيين وصلوا إلى الجزائر بعد توجيهات صارمة من السفير الفرنسي في الجزائر لعدم التعرض بالإساءة للقرارات الحمائية للاقتصاد الجزائري التي قررت مؤخرا. وكانت قررت الحكومة الفرنسية، التدارك سريعا في عدد من المواقف التي أثارت امتعاض الجزائر في الفترة الأخيرة، حيث أن السفير الفرنسي في الجزائر كزافييه دريانكور، زار باريس ونقل ''توجيهات'' إلى مسؤول ''منظمة أرباب العمل الفرنسيين'' قبل زيارته للجزائر، وأيضا ''رسالة'' غاضبة من الجزائر حول قضايا ينصح السفير فرنسا ''بتغيير التعاطي معها''. وكشف مصدر رفيع أن كزافييه دريانكور حمل فعلا معه إلى باريس رسائل من الجزائر، حول مجمل القضايا التي أثارت التوتر، وأفيد أن المسؤول الدبلوماسي الفرنسي نقل إلى أرباب العمل الفرنسيين ''توجيهات'' بعدم التجريح في قرارات الحكومة الجزائرية التي أثارت جدلا لدى شركائها الغربيين، بخصوص مسائل الاستثمار والاستيراد، ورسائل تعكس حجم ''الحرج'' الذي خلفته ملفات ''جزائرية في باريس'' أثيرت بشكل غير مسبوق طوال العام الماضي. فعلى المستوى السياسي ظلت باريس تروج أن العلاقات مع الجزائر جد حسنة ولا تشوبها خلافات، لكنها بعيدا عن تلك التصريحات أثارت من الغضب الكثير في الأوساط الرسمية الجزائرية، ملف رهبان تيبحرين، الدبلوماسي زيان حسني، مؤسسة ذاكرة الجزائر، ودفعت هذه المستجدات إلى إثارة الخلاف في كل مرة ظهرت معها عراقيل بقصد إلغاء أو تأجيل أي لقاء بين المسؤولين في الدولتين. والواضح أن باريس كانت تريد قدوم الرئيس بوتفليقة إليها للتفاوض من موقع قوة. وكان الرئيس ساركوزي قد عين قبل أيام جان بيار رافاران رئيس الوزراء السابق كمكلف بملف التعاون الاقتصادي مع الجزائر، وهو منصب لم يكن موجودا من قبل. وينتظر أن يقوم رافاران بزيارة إلى الجزائر قبل نهاية العام الحالي لإصلاح ما يمكن إصلاحه، علما بأن تدهور العلاقات السياسية أثر سلبيا على العلاقات الاقتصادية بين البلدين.