أكد نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، بالجزائر العاصمة، أن الموقف الثابت للجيش الوطني الشعبي خلال هذه المرحلة "نابع من إيمانه الراسخ بضرورة الحفاظ على أمن واستقرار الجزائر، في ظل الشرعية الدستورية". وأفاد به بيان لوزارة الدفاع الوطني أن الفريق قايد صالح، وفي كلمة له في افتتاح ندوة تاريخية بعنوان "دور ومكانة الجيش في المجتمع"، أوضح أن "الموقف الثابت الذي تبناه الجيش الوطني الشعبي خلال هذه المرحلة الفارقة في تاريخ بلادنا، نابع من إيمانه الراسخ بضرورة الحفاظ على أمن واستقرار الجزائر أرضا وشعبا وصون سيادتها، في ظل الشرعية الدستورية".وأضاف أن الجيش "رافق الشعب الجزائري في تطلعاته لتجسيد خياره في تحقيق المشروع الوطني المنشود الذي أراده الشهداء الأبرار، وحافظ على كيان الدولة ومؤسساتها مؤكدا مرة أخرى أنه وطني العقيدة، شعبي الجذور والمنبت، نوفمبري المبادئ والقيم، وهو موقف يؤكد أصالة جيشنا وأنه من صلب الشعب ويعكس بجد مدلولات تسميته بالجيش الوطني الشعبي".وتابع قائلا: "في هذه الظروف بالتحديد، تدفق وعي الشعب الجزائري الذي وجد في الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني وقيادته الوطنية النوفمبرية كل السند والدعم وكل التجاوب المطلق مع مطالبه المشروعة، فازدادت بذلك هذه العلاقة التفاعلية الوطيدة بين الجيش وكافة مكونات المجتمع الجزائري متانة وصلابة"، مشيرا الى أن "هذه العلاقة المتأصلة والقائمة على الثقة والصدق أسهمت اليوم كثيرا في تفاعل الجهود وتضافرها ووضعت الجزائر على السكة الصحيحة والوجهة السليمة لتجاوز المرحلة الراهنة والمرور ببلادنا إلى بر الامان". واستطرد بالقول أن "إدراكنا جميعا، شعبا وجيشا، لما يحمله عالم اليوم من تحديات وتناقضات وتهديدات، ترمي في معظمها إلى المساس بأركان الدولة الوطنية، دفعنا إلى بلورة استراتيجية أمنية صلبة وفق مقاربة شاملة ومتكاملة ومدروسة، استراتيجية يقر بنجاعتها العدو قبل الصديق ويلمس ثمارها الشعب الجزائري الذي يعيش، والحمد لله، في كنف السكينة والطمأنينة رغم الظروف المحيطة بنا إقليميا، ليكون بذلك الجيش الوطني الشعبي قد حافظ على صوابية المسار التاريخي الوطني، الذي سطره السلف وصانه الخلف بكل افتخار جيلا بعد جيل". وفي هذا الإطار بالذات --يقول الفريق قايد صالح-- فإنه "من الواضح أن الرهان اليوم، كما كان بالأمس، هو محاولة إخراج الجزائر من البيئة الطبيعية التي أحاطت بمسارها التطوري بكل ما يحمله من قيم تاريخية وثقافية ودينية، ومحاولة تقديم بدائل تستهدف ضرب الثقة القوية التي تربط الشعب بجيشه وإحداث قطيعة بينهما، لكي يسهل التلاعب بمصير الجزائر ومقوماتها، ومحاولة استغلال الظرف الراهن الذي تمر به البلاد من أجل تهديم أسس الدولة الوطنية، من خلال شعار +دولة مدنية وليست عسكرية+ تحاول العصابة من خلاله تغليط الرأي العام الوطني عبر نشر هذه الأفكار الخبيثة التي ليس لها وجود إلا في أذهان ونوايا من يروج لها، لأن الجيش الوطني الشعبي، المتمسك بمهامه الدستورية الواضحة والمدرك لحساسية الوضع وخطورة التحديات والرهانات الحالية، يعمل على حماية الدولة والحفاظ على السيادة الوطنية ووحدة الوطن والشعب، مهما كانت الظروف والأحوال".كما عبر في نفس السياق عن "يقينه بافتخار الشعب الجزائري بجيش التحرير الوطني واعتزازه بسليله الجيش الوطني الشعبي، الذي واصل المسيرة وفق الخط الذي رسمته ثورة نوفمبر العظيمة، مصدر مجدنا وكبريائنا"، مذكرا في نفس الوقت بأن "صِيانة هذا الإرث العظيم لن تتأتى إلا بالوفاءِ للتضحيات التي قدمت من أجل الجزائر في إطار من الانسجام والتكامل بين مختلف مكونات المجتمع الجزائري وفي ظل مرجعياتنا الأصلية والعريقة الكفيلة وَحدها بتحصين الأجيال وتوجِيههم التوجيه الحسن في سبيل تجسيد المشروع الوطني الذي هو خيار الشعب. هذا المشروع الوطني الذي يَسعى الشعب الجزائري لِتَحقيقه، مسنودا بِجيشه الوطني الشعبي، إلى جانب مؤسسات الدولة الأخرى، والذي سيتولى تجسيده الرئيس المنتخب الذي ستفرزه الإرادة الشعبية خلال الاستحقاق الانتخابي المحدد يوم 12 ديسمبر المقبل". وجدد نائب وزير الدفاع الوطني التأكيد، بخصوص هذا الاستحقاق الهام، على "مرافقة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في تأدية مهامها"، مثمنا "الجهود التي تبذلها من أجل إنجاح هذا المَوعد الانتخابي"، ومشيدا كذلك ب"جهود المخلصين والوطنيين الذين يضعون نصب أعينهم مصلحة البلاد ومستقبلها". كما جدد حرص القيادة العليا للجيش على "توفير كل عوامل نجاحِ هذه الانتخابات خاصة من الجانب الأمني"، قائلا بان الجيش الوطني الشعبي "سيرافق العملية الانتخابية بجميع مراحلها، مثلما تعهدنا به مرارا، عكس ما تروج له بعض الأبواق والأصوات المغرضة". ولفت قايد صالح بالمناسبة الى ان "الشعب الجزائري الذي يتطلع بكل شغف لهذه الانتخابات لفتح صفحة مشرقة وواعدة في مسيرة الجزائر، هو الوحيد الذي سيختار بكل حرية وشفافية ونزاهة الرئيس الذي سيقود بلادنا لتشق طريقها وفق المسار الصحيح، نحو وجهتها المأمولة ومكانتها الطبيعية والحقيقية التي يجب أن تتبوأها". وذكر في سياق كلمته امام الحاضرين بأنه "بعد استرجاع السيادة الوطنية، أدرك أعداء الأمس واليوم أن الجيش الوطني الشعبي هو امتداد طبيعي لجيش التحرير الوطني الذي نسف مخططاتهم الدنيئة، يحمل نفس القيم والمبادئ ولا ينتصر لغير المصلحة الوطنية". وأبرز أن الجيش الوطني الشعبي "عرف تطورا كبيرا على مستوى التنظيم والتكوين والتسليح، واضطلع بمهامه بفعالية ونجاعة بما فيها الإسهام في بناء وحماية الاقتصاد الوطني، الأمر الذي جعله عرضة لحملات مسعورة من خلال النقاشات والجدل الذي أثارته وتثيره دوائر مشبوهة حول دور ومكانة الجيش في المجتمع، خاصة بعد مواصلة الجيش الوطني الشعبي مساهمته المشهودة في مسيرة بناء الدولة ومواكبة الإرادة الوطنية الرامية إلى إعادة مجد الجزائر ومنحها المكانة المشرفة المستحقة بين الأمم". جيش التحرير الوطني ولد من رحم معاناة الشعب وكان الفريق وفي كلمته الافتتاحية قد ذكر قبل هذا بالملاحم البطولية لجيش التحرير الوطني إبان ثورة التحرير المظفرة، معرجا على مختلف المراحل الهامة لتطوره إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية والاستقلال، حيث قال في هذا الإطار بان "جيش التحرير الوطني الأبي ولد من رحم معاناة الشعب ووضعت لبناته الأولى بإنشاء المنظمة الخاصة، شهر فيفري 1947 التي أرست المنطلقات والتصورات لميلاد النواة الأولى لتنظيم عسكري ثوري، شكل الإطار التأسيسي للثورة التحريرية، التي انطلقت ملحمتها الخالدة يوم الفاتح نوفمبر 1954 بمجموعات من الشباب المؤمن بعدالة قضيته، وتعززت تباعا بالانخراط في صفوف الثورة الفتية، مشكلة تيارا جارفا كله تضحيات وبطولات توج بعد سنوات من الكفاح المرير بالنصر المبين". وأضاف أن "الأصفياء من المجاهدين المؤمنين بنصر الله وبعونه والمسنودين بعمقهم الشعبي، هم من روضوا المستحيل وأكسبوا ثورتنا التحريرية ميزتها العالمية، فأثروا أيما تأثير على مجرى الأحداث الدولية لفائدة الإنسانية جمعاء، ورغم نقص الإمكانيات إلا أن ثورتنا المجيدة استطاعت تحقيق الكثير من الانتصارات طيلة مختلف مراحل الكفاح. فبهذا الوعي الكبير بمتطلبات تحقيق النصر وإدراك موجباته، جاءت هجومات الشمال القسنطيني في أوت 1955، التي كانت نصرا استراتيجيا بأتم معنى الكلمة، ازداد معه الالتحام الشعبي بثورته قوة وانتشارا، وحققت نقلة فعلية وشاملة في المسار الثوري، استوجبت التفكير في بلوغ مستويات ومحطات أخرى تستلزم بالضرورة وقفة تقييمية وتنظيمية، تبناها مؤتمر الصومام في شهر أوت 1956 الذي أرخ لمرحلة جديدة في كفاح الشعب الجزائري، أرست أسس الثورة على عدة أصعدة، العسكرية منها والتنظيمية، ورغم ذلك فقد كانت غير كافية نظرا لشساعة بلادنا وقلة الاتصالات والوسائل في ذلك الوقت". وتابع الفريق قايد صالح قائلا: "في سنة 1960، وبعد تأسيس هيئة الأركان العامة لجيش التحرير بقيادة الرئيس الراحل العقيد هواري بومدين، اشتد عود الثورة واتضحت معالمها التنظيمية والاستراتيجية، خاصة من خلال تعزيز مكونات ونشاط جيش التحرير الوطني في كافة المجالات، حيث شهد قفزة نوعية من حيث الهيكلة والتنظيم والتسليح والتموين والتكوين والتدريب ليصبح تنظيما عصريا متكاملا يعتمد عقيدة عسكرية راسخة شعارها +النصر أو الاستشهاد+، فانتقل من اعتماد أسلوب حرب العصابات إلى مرحلة جديدة نوعية تميزت بمركزية القرار القتالي من خلال توحيد هجومات عارمة ومنسقة شرقا وغربا وعبر كافة التراب الوطني باستعمال أساليب عسكرية حديثة والمواجهة المباشرة مع العدو بوحدات منظمة وأسلحة حديثة بما فيها الثقيلة تعكس التطور الذي أحرزه جيش التحرير الوطني، فتحقق الانتصار تلو الآخر على المستعمر الغاشم وأجبره على تقليص احتلاله لبلادنا والتعجيل بالتفاوض وبالتالي انسحابه مهزوما مدحورا". وخلال الثورة التحريرية المجيدة، كان الجيش --كما جاء في كلمة قايد صالح-- "في الطليعة يحمل آمال الأمة وتطلعاتها ويحظى بالثقة المطلقة والدعم المادي والمعنوي من أجل تجسيد تلك الآمال والتطلعات، ولنا في هذه الثورة المظفرة المثال الساطع والصورة الجلية، حيث وقف جيش التحرير الوطني صرحا شامخا وندا عصيا في وجه المستدمر الغاشم، باذلا تضحيات نادرة في التاريخ، سنده في ذلك ولاء ووفاء الشعب الذي احتضنه بدوره وشد أزره بالعزيمة والصبر، في صورة من أبلغ صور التلاحم والانسجام والتضامن، حتى تحقق الهدف المقدس في الانعتاق والحرية وإعادة بناء الدولة الجزائرية المستقلة". هذا وجدد رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي في الاخير الترحم على الشهداء الأبرار وشهداء الواجب الوطني، داعيا أجيال الاستقلال إلى "الحفاظ على طهارة الفكر ورجاحة السلوك الذي تحلى به صانعو ملحمة نوفمبر والتمسك بمبادئ ثورتنا الوطنية التي حررت الجزائر بالأمس، فهي ذاتها التي ستحافظ على جزائر اليوم والضمانة الأكيدة لحاضر بلادنا ومستقبلها، وتلكم مسؤولية ثقيلة يتعين على أبناء الجزائر أن يتحملوها بكل صدق وإخلاص، فوطننا، وديعة الشهداء، يبقى على الدوام في الحفظ والصون يسمو فوق كل الاعتبارات مهما كانت الظروف والأحوال". إثر ذلك، تابع الحضور شريطا وثائقيا بعنوان "قلب الجزائر وضميرها الحي" من إنتاج المؤسسة العسكرية المركزية للسمعي البصري قبل الاستماع إلى مجموعة من المداخلات حول موضوع الندوة قدمها مجاهدون وأساتذة جامعيون تناولت "دور ومكانة الجيش في المجتمع"، تلتها مناقشة ثرية لمضامينها.