هل يجب إجبار الناس على ارتداء الكمامات أو أقنعة الوجه في الأماكن العامة؟ هذا هو السؤال الذي يواجه الحكومات مع قيام المزيد من الدول بتخفيف إجراءات الحظر والإغلاق، وجعلت أكثر من 30 دولة الكمامات إلزامية في الأماكن العامة. وهنا نستذكر أصداء لوباء الإنفلونزا الكبير، الملقب بالإنفلونزا الإسبانية التي قتلت حوالي 50 مليون شخص بين عامي 1918 و1920، أي قبل قرن كامل، وتمثل هذه الحقبة التاريخية دراسة حالة رائعة بشأن كيفية تحمل الناس قيودا صارمة جدًا، طالما أنهم يعتقدون أنها مبررة وجديرة بالاتباع. الإغلاق الكبير وفي مقاله بموقع كونفيرذيشن، يعتبر صموئيل كوهن أستاذ التاريخ بجامعة جلاسكو أن وباء الإنفلونزا الإسبانية تسبب في أكبر حزمة من القيود في الولاياتالمتحدة، وشمل ذلك إغلاق المدارس والكنائس والنوافير والمسارح ودور السينما والمتاجر ومحلات الحلاقة. كانت هناك غرامات مالية بحق السعال والعطس والبصق والتقبيل وحتى التحدث في الهواء الطلق، وتم توظيف شرطة خاصة بالإنفلونزا لإلقاء القبض على الأطفال الذين يلعبون في الشوارع وأحيانًا حتى في ساحات منازلهم الخلفية. كانت القيود قاسية أيضا في كندا وأستراليا وجنوب أفريقيا، على الرغم من أنها أقل من ذلك بكثير في المملكة المتحدة وبقية القارة الأوروبية. ويقول مؤرخون إن الجمهور وافق على كل هذه الإجراءات مع اعتراضات قليلة في البداية، وعلى عكس التاريخ الطويل للكوليرا، وخاصة في أوروبا، أو الطاعون في شبه القارة الهندية من عام 1896 إلى حوالي عام 1902، لم يندلع عنف جماعي مرتبط بالوباء. جدل محتدم ومع ذلك كان هناك جدل علمي منذ البداية حول ما إذا كانت الكمامات فعالة، لكن ذلك انتهى بعد أن اكتشف عالم البكتيريا الفرنسي تشارلز نيكول في أكتوبر 1918 أن الإنفلونزا كانت أصغر بكثير من أي بكتيريا أخرى معروفة. انتشر الخبر بسرعة حتى في الصحف الأميركية الصغيرة. نُشرت رسوم كاريكاتيرية كتب عليها أن الأمر شبيه باستخدام "الأسلاك الشائكة لمنع الذباب"، وتزامن ذلك مع ارتفاع معدلات الوفيات في الولايات الغربية لأميركا، وفي كندا. وعلى الرغم من اكتشاف نيكول، بدأت السلطات المختلفة في جعل ارتداء الكمامات إلزاميا، وكانت سان فرانسيسكو أول مدينة أميركية رئيسية تفعل ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 1918، وتظهر العديد من الصور الفوتوغرافية من هذه الحقبة ارتداء الكمامات في الأماكن العامة، في وقت قال فيه كثيرون إنها غير مجدية واعتبروها انتهاكا للحريات المدنية. التمرد على الإجراءات شهدت سان فرانسيسكو الأميركية إنشاء رابطة "ضد الكمامة"، كما شهدت عددا من الاحتجاجات والعصيان المدني، ورفض الناس ارتداء الكمامات في الأماكن العامة، أو تعمدوا ارتداءها بشكل غير صحيح. ذهب البعض إلى السجن لعدم ارتدائهم الكمامة أو رفضهم دفع الغرامات. في توكسون بولاية أريزونا الأميركية، أصر مصرفي على الذهاب إلى السجن بدلا من دفع الغرامة. وفي الولايات الغربية الأخرى، رفض القضاة بانتظام ارتداء الكمامة في قاعات المحكمة، وفي نيو ساوث ويلز غمرت التقارير عن خرق قانون الكمامة الصحف المختلفة. وكانت إنجلترا مختلفة، إذ نُصح بارتداء الكمامات فقط كإجراء وقائي في المدن الكبيرة، وبعد ذلك فقط لمجموعات معينة مثل ممرضات الإنفلونزا في مانشستر وليفربول. وظهرت أسئلة جادة حول فعاليتها فقط في مارس 1919، وأظهر استطلاع رسمي أميركي عام 1918 أن 78% من الممرضات أصيبوا بالعدوى رغم ارتدائهم الكمامات بعناية. من الواضح أن العديد من هذه التفاصيل ذات صلة بعالم اليوم الذي يواجه جائحة كورونا، ودار النقاش حينها -كما الآن- حول اعتماد السلطات إجراءات مشددة إزاء ممارسات بعينها، وتجاهل ممارسات أخرى قد تكون أشد خطورة، ويختم الكاتب الأميركي بالقول إن تاريخ الكمامة بحاجة لدراسة مستفيضة.