الاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجو منها.إن الاحتساب عمل قلبي لا محل له في اللسان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن النية محلها القلب، فعندما نحتسب الأجر من الله ذلك يعني ذلك طلبه منه تعالى، والله عز وجل لا يخفى عليه شيء قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) (آل عمران:29). و العمل لابد فيه من النية، فالذي يحتسب وينوي بعمله وجه الله فهو لله، والذي ينوي بعمله الدنيا فهو للدنيا، فالأمر خطير جداً. والنيات تختلف اختلافاً عظيماً وتتباين تبايناً بعيداً كما بين السماء والأرض، فمن الناس من نيته في القمة في أعلى شيء، ومن الناس من نيته في القمامة في أخس شيء وأدنى شيء. فمن نوى الله والدار الآخرة في أعماله الشرعية حصل له ذلك، ومن نوى الدنيا فقد يُحصل وقد لا يحصل. قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) (الاسراء:18). ما قال عجلنا له ما يريد، بل قال ما نشاء، أي لا ما يشاء هو، لمن نريد، لا لكل إنسان، فقيد المعجل والمعجل له. إذا من الناس من يعطى ما يريد من الدنيا ومنه من يعطى شيئا منه ومنهم من لا يعطى شيئا أبدا. وهذا معنى قوله تعالى: (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ). أما قوله تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:19). لابد أن يجني هذا العمل الذي أراد به وجه الله والدار الآخرة، وهذا يعني أن يحرص المرء على الاحتساب ولا ينسى كذلك أجر احتساب النية الصالحة الذي لا يضيعه الله أبدا، حتى وإن لم يتمكن من أداء العمل الصالح الذي ينوي القيام به، فالإنسان إذا نوى العمل الصالح وحبسه عنه حابس فإنه يكتب له الأجر، أجر ما نوى. أما إذا كان يعمله في حال عدم العذر، أي: لما كان قادرا كان يعمله ثم عجز عنه فيما بعد فإنه يكتب له أجر العمل كاملاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما) رواه البخاري. فمثلا إذا كان من عادته أن يصلي الجمعة مع الناس جماعة فمنعه في جمعة من الجمعات مانع ولم يتمكن من شهودها فإنه يكتب له أجرها كاملا. ولهذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام فيمن آتاه الله مالا فجعل ينفقه في سبيل الخير وكان رجل فقير يقول لو أن لي مال فلان لعملت فيه عمل فلان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فهو بنيته فهما في الأجر سواء). أي سواء في أجر النية، أما العمل فإنه لا يُكتب له أجره إلا إن كان من عادته أن يعمله.