سمحت الأشواط التي تم قطعها على نهج إصلاح منظومة التربية والتعليم بتدارك التأخر المسجل على مدى سنوات و بتحسين المستوى في كل المجالات من حيث تكوين الاساتذة و البرامج وكذا النتائج المحققة في الامتحانات البيداغوجية. وقد أدت هذه الاصلاحات التي تعد من أهم الورشات التي فتحت خلال السنوات الاخيرة الى تحسين مستوى التعليم وأداء النظام التربوي لتعادل بذلك الانجازات المسجلة خلال العشر سنوات الأخيرة ما تحقق من 1962 الى 1999. وعلى هذا الاساس فقد تجسد إصلاح التربية الوطنية عبر مؤشرات إيجابية من حيث نسبة تمدرس الاطفال في سن السادسة التي بلغت 97 بالمائة سنة 2007 في حين كانت في حدود 43 بالمائة سنة 1966. كما تمثلت المؤشرات الايجابية للاصلاح أيضا في نسبة النجاح في الباكالوريا التي بلغت 4ر55 بالمئة السنة الفارطة بعدما كانت 4ر34 بالمائة سنة 2001 ثم 1ر51 بالمائة في 2006 . ووفق تصريحات العديد من المختصين والمسؤولين عن القطاع فان هذه النسبة أضحت قريبة من نتائج بعض البلدان المتقدمة كونها تحققت دون اللجوء الى الانقاذ على مستوى النقاط و دون دورة استدراكية. يذكر في هذا الاطار أن عدد الحاصلين على شهادة البكالوريا في الفترة الممتدة بين سنتي 1962 و 1999 (38 سنة) بلغ 1236001 في حين وصل هذا العدد في الفترة ما بين 2000 و 2008 أي مدة 9 سنوات فقط الى 1479857 حاملا للشهادة. كما أفضت الاصلاحات إلى إطلاق الطور التحضيري الذي استقبل خلال هذه السنة حوالى 450000 طفلا في سن الخامسة كعملية نموذجية. و في سياق النتائج المحققة في قطاع التربية الوطنية من خلال الجهود الجبارة التي بذلتها الدولة منذ سنة 2004 تجدر الاشارة الى تقديم منحة الدخول المدرسي ل3 ملايين طفل و ضمان مجانية الكتاب المدرسي لحوالي 4 ملايين تلميذ اضافة الى ضمان الإطعام المجاني لقرابة 3 ملايين طفل عبر شبكة مطاعم مدرسية انتقلت من حوالي 4000 سنة 1999 إلى حوالي 12000 سنة 2008 . كما تظهر هذه الجهود عبر التكفل بأزيد من 770000 نصف داخلي من خلال شبكة مؤسسات نصف داخلية ارتفع عددها من 470 سنة 2007 إلى حوالي 730 في 2008 و ضمان تغطية صحية عبر حوالي 1200 وحدة للكشف و المتابعة الطبية يؤطرها حوالي 3000 طبيب و طبيب أسنان و طبيب نفساني و أزيد من 1500 عون شبه طبي و ضمان النقل المدرسي لفائدة أزيد من 700000 طفل بواسطة أزيد من 3500 حافلة. وتتجلى من تقييم ما تم تحقيقه لصالح القطاع من خلال مخططه الخماسي 2005-2009 "انجازات ضخمة" خصصت لها ميزانية كبرى (الثالثة قطاعيا) حيث تم انجاز 301 ثانوية و 961 اكمالية و1200 مدرسة ابتدائية اضافة الى 1748 مطعم و 833 بناية نصف داخلية و 112 داخلية. و قد سمحت هذه الإنجازات من جهة أخرى بتقليص نسبة شغل الاقسام الى 30 تلميذا بالقسم الواحد على مستوى الطورين الابتدائي و المتوسط. وما جسد مسار اصلاح المنظومة التربوية التي شرع فيه سنة 2004 أيضا صدور أول قانون توجيهي للتربية الوطنية ليكون بذلك أول قانون في تاريخ الجزائر بعد أمرية سنة 1976 ويجسد بالتالي الانتقال بالمدرسة الجزائرية الى مرحلة "النوعية". و ينبغي على هذا الاساس --كما تم التأكيد عليه مرارا-- رفع تحديات ألا وهي ترسيخ الهوية الوطنية لدى الاطفال والشباب سواء تعلق الامر باللغة و الثقافة أو بالقيم الحضارية و التاريخ و المكانة التي ينبغي أن تتبوأها التربية المدنية وترقية حس المواطنة في المنظومة التربوية الوطنية اضافة الى غرس بذور المعرفة العلمية و التقنية لدى الاطفال. وفي هذا الصدد فقد أخذ برنامج تنمية قطاع التربية الوطنية للفترة الممتدة من 2005 الى 2009 بعين الاعتبار مراجعة برامج التعليم و هي العملية التي مست 185 برنامجا شهد 134 منها تخفيفا. وتغطي البرامج التي تم تخفيفها أطوار التعليم الثلاثة و لقد عرفت تقليصا للحجم الساعي يتراوح بين ثلاث ساعات في الطور الابتدائي و ساعة واحدة في بعض فروع الطور الثانوي اضافة الى تعميم نظام الحصة الموحدة و تقليص مدة حصة الدرس الى 45 دقيقة مع جعل يوم الخميس يوم عطلة بالنسبة للتلاميذ على أن يخصص لتكوين الاساتذة. و شهدت الكتب المدرسية بدورها مراجعة معمقة ل151 عنوانا وخضعت لمراقبة لجان مختصة تم تنصيبها على مستوى المعهد الوطني للبحث في مجال التربية فيما أصبحت عملية توزيع الكتاب المدرسي تتم بشكل عادي بفضل عمليات السحب الضخمة التي تشرف عليها الدولة (60 مليون وحدة بالنسبة للسنة الدراسية 2008-2009 و حوالي 220 مليون منذ بداية الإصلاح) و كذلك بفضل تنظيم التوزيع على مستوى المؤسسات المدرسية و بيع الكتب عبر 465 مكتبة معتمدة موزعة عبر التراب الوطني. و في مجال تكوين الاساتذة الذي سجل --حسب المختصين-- "نتائج معتبرة" فانه عرف ابتداء من سبتمبر 2003 "نمطا جديدا" يزاول بموجبه معلمو الطور الابتدائي دورة تكوينية لمدة 3 سنوات فيما يستفيد اساتذة الطور المتوسط من تكوين لمدة 4 سنوات بعد الباكالوريا و يتابع أساتذة التعليم الثانوي من جهتهم تكوينا لمدة 5 سنوات بعد الباكالوريا. أما الأساتذة الممارسون فقد تم إخضاعهم منذ سنة 2005 لبرنامج تكويني بالتعاون مع المدارس العليا للأساتذة و هو برنامج يستفيد منه تدريجيا 214000 أستاذا بالطورين الابتدائي و المتوسط من غير الحاصلين على شهادة الليسانس. في هذا الإطار يزاول 56000 معلم في التعليم الأساسي حاليا تكوينا بالموازاة مع العمل و سيلتحق بهم 26000 آخرين ابتداء من شهر سبتمبر. في حين يستفيد 41000 أستاذ في التعليم الأساسي من تكوين موازي لممارسة عملهم وسينضم إليهم 13000 آخرا فور الدخول المدرسي لهذه السنة. ويجزم أهل الميدان في هذا الاطار من مختصين وتربويين أن الجهود التي تكرسها الجزائر لتربية الاجيال الصاعدة لم يشهد لها مثيل وهو ما يعكس "الإرادة الراسخة" التي تحذو القائمين على القطاع في جعل المدرسة "حجر الزاوية" في تنمية البلاد ورفع تحديات التقدم والرقي في جميع المجالات.