عرض المركز الثقافي الجزائري بباريس مسرحية "القضية" و هي اقتباس مسرحي لشهادة هنري علاق حيث ادخلت الحضور في جو كئيب عكس أبشع جرائم التعذيب التي كان يمارسها الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير. و سرد هنري علاق ماعاشه بعدما القي عليه القبض سنة 1957 من قبل قوات المضليين حيث يبين مدى مقاومته للألم و تحديه للجلادين مبرزا شجاعة و بسالة و رافضا الإستسلام و الرضوخ. و نجح كل من الممثل و الكاتب لوران جيميغون رفقة كاتي موروفان في تجسيد هذه المسرحية و إبراز بربرية تلك الممارسات التي احدثت ضجة و جدل في فرنسا عبر إبراز الجوانب الاإنسانية للمضليين الفرنسيين. و تبدأ المسرحية بنشيد "من جبالنا" الذي انطلق خافتا وسط عتمة القاعة و اخذ يتعالى شيئا فشيئا. و في ديكور بسيط يتمثل في طاولة حديدية متحركة و بساط و صندوق حديدي و بعض القارورات و مصباح صغير تمكن لوران جيميغون من جلب انتباه الجمهور مكتسحا بذلك كل فضاء و خشبة المركز الثقافي. و استطاع بفضل هذه الأشياء إقامة حوار مع الابطال الآخرين "الغائبين و الحاضرين" حيث جسد الجلادين عبر تلك القارورات التي تمثل أشكالها و أحجامها رتبهم و مسؤولياتهم و كان للنور دور هام في هذا الأداء المسرحي الذي وظفت فيه مصادر ضوء عديدة من القنديل الصغير الي المصابيح الكبيرة التي تنير كل اجزاء االخشبة. ويقول الممثل أن العبرة من ذلك هو "ابراز العلاقة بين النور و الضلام الذي يتخلل أحداث النص. فكلمة هنري علاق تروي حقبة من تاريخنا الذي تتكشف مراحله مع استنارة خشبة المسرح". و قد استعمل الضوء الذي كان خافتا تارة و ساطعا تارة أخرى للتعبير عن بصيص الأمل أو ثقل الواقع و الانطواء على النفس و الألم الذي تحدثه الشحنات الكهربائية في جسد المعذب. و رأت كاتي مورفان التي أخرجت المسرحية أنه فضلا عن العمل الفني فإن "هذا الاقتباس عمل سياسي و شهادة عن وقائع جرت في فترة تاريخية مؤلمة". و لا تزال أحداث هذه المسرحية حديث الساعة و إن جرت وقائعها منذ أكثر من خمسين سنة خلت فهي تطرح إشكالية واقعية ذات بعد عالمي كما تبين ذلك من خلال ما وقع في سجني أبو غريب بالعراق أو غوانتانامو. و تنتهي مسرحية "القضية" في الظلام كما بدأت أول مرة وسط نشيد "من جبالنا" المؤثر الذي مزقت ابيانه سدول الليل . و كان النقاش الذي تبع العرض فرصة للمؤرخ أوليفي لو كور غرانميزون الذي كتب عدة مؤلفات للتذكير بأن التعذيب و الاختفاءات القسرية كانت تلقائية إبان العهد الاستعماري الفرنسي الذي كان يمارس "إرهاب الدولة". و أردف يقول "لقد صدرت هذه التقنيات إلى بلدان أخرى على يد ضباط فرنسيين غداة الانتهاء من تصفية الاستعمار" موضحا أن "أرجنتين العقداء قد نهلت من هذه +الخبرة+ إذ سجلت هذه البلاد مقتل و فقدان 50.000 شخص عقب انقلاب سنة 1976". و أكد المؤرخ جون لوي بلانش الذي ألف كتابا عن مجازر 8 ماي 1945 بأن العنف الذي مس الجزائريين "قد نشأ منذ أيام الاستعمار الأولى فقد ارتكبت القوات الاستعمارية مجازر على نطاق واسع في حق الأهالي المحليين بهدف +تطهير الميدان+ و تحضير قدوم المعمرين الأوائل بغية تسهيل استقرارهم في الأراضي المسلوبة والمغتصبة"