إن من سنة الله في الحياة وحكمته في خلقه أن جعل الناس درجات ومنازل، ونهى تبارك وتعالى أن يتطلع كل من الرجال والنساء إلى ما فضل به بعضهم على بعض فقال (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) (النساء: 32). وقد جعل الله القوامة والأمر والنهي في بيت الزوجية للزوج، وفرض على الزوجة طاعته في غير معصية الله، بل إنها لا يجوز أن تصوم تطوعاً دون إذنه، أو تُخرج من بيته أو تُدخِلَ فيه من لا يأذن له، ولو أُمِرَ أحدٌ بالسجود لبشر لأُمِرَت المرأة أن تسجد لزوجها. و المرأة التي تعرف الله تدرك أنه في مقابل هذه المنزلة أجر عظيم للزوجة إن هي أطاعت زوجها وقامت على خدمته ورعاية شأنه، فصيام النفل عمل صالح عظيم لكن حين تتركه طاعة لزوجها ففطرها حينئذ أعظم درجة وأرضى لله عز وجل.ولهذا ضربت الفتيات المسلمات من الرعيل الأول أروع الأمثلة في القيام بحق الزوج ورعايته.عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني، ثم قال: (إخ إخ) ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني. رواه البخاري ومسلم.وحين تعيش المسلمة هذا الشعور تحس بلونٍ وطعمٍ آخر للحياة؛ فترى أن ما تقوم به وتقاسيه من أعباء المنزل من خدمة وإعداد للطعام ورعاية لشأن منزلها لا يذهب سدى، وأنه ليس قياماً بدور الخادمة، بل هو عبادة لله تبارك وتعالى وسبيل لتحقيق رضاه، لذا فهي تحرص على استحضار النية في كل ما تقوم به وتعانيه.وتدرك المسلمة العاقلة أن وجود بعض الرجال الذين يسيئون استخدام هذا الحق؛ فيجعلون منه سبيلاً للتسلط على الزوجة واستعبادها وهضم حقوقها لن يلغي الأصل، والشريعة لم تأت بهذه الأحكام لتكون تكأة لأولئك الذين يسيئون استغلال هذه الحقوق، فيستقصون ما لهم ويضيعون ما عليهم.وحيث أمر الشرع بطاعة الزوج وتوقيره وعظَّم حقوقه، فقد أعلى منزلة أولئك الذين يحسنون لأهلهم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يجعل رعاية الأهل معياراً ومقياساً تقاس به خيرية الرجل. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيارهم خيارهم لنسائهم) رواه أحمد. وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسل: (خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي. وعلى المرأة المسلمة إن ابتليت بأمثال هؤلاء أن تصبر وتحتسب وستلقى الأجر بإذن الله يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون.