لقد كان لبني إسرائيل حظ وافر من إرسال الرسل والأنبياء، فقد أنعم الله عليهم بعدد كبير منهم، فكلما تجدد جيل إلا وأرسل الله فيهم نبيا يتعهّدهم بالنصح ويقودهم إلى ما يحبه الله عز وجل، وقد قصّ الله علينا في القرآن شيئا من أخبارهم، وفي قصة تملأها الكثير من العبر، ذكر الله تعالى قصة الأشراف والوُجهاء من بني إسرائيل من بعد زمان موسى عليه السلام، حين طلبوا من نبيهم شموئيل عليه السلام أن يولي عليهم مَلكا، يجتمعون تحت قيادته، ويقاتلون أعداءهم في سبيل الله، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (البقرة: 246)، قال لهم نبيهم: هل الأمر كما أتوقعه إنْ فُرِض عليكم القتال في سبيل الله أنكم لا تقاتلون، فإني أتوقع جبنكم وفراركم من القتال، فقالوا مستنكرين توَقُع نبيهم: وأي مانع يمنعنا عن القتال في سبيل الله، وقد أَخْرَجَنَا عدوُّنا من ديارنا، وأبعدنا عن أولادنا بالقتل والأسر؟ فلما فُرض الله عليهم القتال مع الملِك الذي عيَّنه لهم جَبُنوا وفرُّوا عن القتال، إلا قليلا منهم ثبتوا بفضل الله، والله عليم بالظالمين الناكثين عهودهم، وقال لهم نبيهم: إن الله قد أرسل إليكم طالوت مَلِكًا إجابة لطلبكم، يقودكم لقتال عدوكم كما طلبتم. قال كُبراء بني إسرائيل: كيف يكون طالوتُ مَلِكًا علينا وهو لا يستحق ذلك؟ لأنه ليس من سبط الملوك، ولا من بيت النبوة، ولم يُعْط كثرة في الأموال يستعين بها في ملكه، فنحن أحق بالملك منه، لأننا من سبط الملوك ومن بيت النبوة. قال لهم نبيهم: إن الله اختاره عليكم وهو سبحانه أعلم بأمور عباده، وزاده سَعَة في العلم وقوة في الجسم ليجاهد العدو، والله مالك المُلك يعطي ملكه مَن يشاء من عباده، والله واسع الفضل والعطاء، عليم بحقائق الأمور، لا يخفى عليه شيء.