إن السيارة من جملة النعم التي أنعم الله بها علينا في هذا العصر فضلاً منه ورحمة، قال تعالى: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 5، 8). أي ويخلق من الوسائل التي يركبها الناس في الجو والبر والبحر ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم، ومنافع السيارة كثيرة، ومصالحها وفيرة، حتى صارت في هذا العصر من الضروريات التي لا يُستغنى عنها في قضاء الحوائج وتحقيق المصالح، فواجب علينا شكر هذه النعمة بكل أنواع الشكر؛ سواء باللسان أو بالجوارح، وليس من شكر هذه النعمة أن نسيء استعمالها، أو أن نستخدمها في أغراض سيئة، أو أن نستعين بها على فعل المعاصي والذنوب وأذية الغير، فقد استعمل بعض الناس هذه السيارة في أغراض سيئة، ووصلوا بها إلى مآربهم السافلة، فالحذر كل الحذر من استخدام السيارة في معصية الله، وفيما يكره، ولنعتبر بأولئك الذين ماتوا في السيارة جراء حادث وقع لهم وهم سكارى، أو كانوا يلهون رُفقة النساء، وغير ذلك من المنكرات التي صارت السيارة وسلة لها. ولقد وُضعت أنظمة مرور لضبط سير الناس وتحركاتهم ومنع الفوضى، وحتى يكون المجتمع آمناً ومستقراً، وحتى يعرف كلّ واحد من أفراده ما له وما عليه في أثناء سيره بسيارته، خاصة في هذا الزمان الذي ضعف فيه الوازع الديني عند كثير من الناس، ولا يردعهم إلا النظام، ولهذا الغرض النبيل أفتى علماء العصر بعدم جواز مخالفة نظام المرور، يقول سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: لا يجوز لأي مسلم أن يخالف أنظمة الدولة في شأن المرور، لما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى غيره، والدولة إنما وضعت ذلك حرصاً منها على مصلحة الجميع، ولرفع الضرر عن المسلمين، فلا يجوز إذن لأي أحد أن يخالف ذلك، وللمسئولين أن يعاقبوا من فعل ذلك بما يردعه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأكثر الخلق لا يردعهم وازع القرآن والسنة، وإنما يردعهم وازع السلطان بأنواع العقوبات، وما ذاك إلا لضعف الإيمان بالله