ورد اسم الله سبحانه "السلام" في القرآن مرة واحدة، وذلك في قوله تعالى في سورة الحشر: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ) (الحشر: 23)، وورد كذلك في السنة النبوية في الدعاء المأثور بعد كل صلاة: (اللَّهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام) رواه مسلم، وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو السلام) رواه البخاري ومسلم. وقد جاء في معنى اسم الله سبحانه "السلام"، أن السلام والسلامة بمعنى البراءة، قال ابن العربي: السلامة العافية. وقوله تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) (الفرقان: 63)، معناه: تسلُمًا وبراءة. والسلام في الأصل السلامة، ومنه قيل للجنة دار السلام، لأنها دار السلامة من الآفات؛ وقوله عز وجل: (وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) (طه: 47)، معناه: أن من اتبع هدى الله سلم من عذابه وسخطه. وأما معنى هذا الاسم في حق الله تعالى فيقول الإمام ابن كثير رحمه الله: "السلام" أي من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله. وقال البيهقي: "السلام" هو الذي سلِم من كل عيب، وبرئ من كل آفة، وهذه صفة يستحقها بذاته. وقيل: هو الذي سلم المؤمنون من عقوبته. ويقول الإمام ابن القيم مفصلا في معنى هذا الاسم الكريم في حق الله تعالى: واستحقاق الله هذا الاسم أكملُ من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه الله به نفسه، ونزهه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من الكفء والنظير، والسَّمِيِّ والمماثل، والسلام من الشريك، وإذا أنت نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلامًا مما يضاد كمالَها، فحياته سلام من الموت، ومن السِّنَةِ والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه، أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم، فكلماته تمت صدقًا وعدلاً، وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه، وكل ما سواه محتاج إليه، وهو غني عن كل ما سواه، وملكه سلام من منازع فيه، أو مشارك، أو معاون، أو شافع عنده بدون إذنه. وإلهيته سلام من مشارك له فيها، بل هو الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل، كما يكون من غيره، بل هو محض جوده، وإحسانه، وكرمه. وكذلك عذاب الله وانتقامه وشدة بطشه، وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلمًا أو تشفيًا أو غلظة أو قسوة، بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء في مواضعها، وهو مما يستحق عليه الحمد والثناء، كما يستحقه على إحسانه وثوابه ونعمه، بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضًا لحكمته وعزته، فوضعه العقوبة موضعها هو من عدله، وحكمته، وعزته، فهو سلام مما يتوهم أعداؤه والجاهلون به، وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم، وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب، وعطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطي، ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعاوضة ولا لحاجة، ومنعه عدل محض وحكمة؛ لا يشوبه بخل ولا عجز.. وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعانى. وخلاصة في معنى اسمه سبحانه "السلام" تكمنُ في معنيين عظيمين لهذا الاسم الكريم، الأول: السلامة والبراءة من كل عيب ونقص في ذاته سبحانه أو أفعاله أو أسمائه وصفاته. والثاني: أنه سبحانه مصدر السلام والأمن، وكل من ابتغى السلامة عند غيره سبحانه فلن يجدها، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهم أنت السلام ومنك السلام)، ولذلك سميت الجنة دار السلام؛ لأن من دخلها سلم من الآفات والشرور والمنغصات والأكدار، قال تعالى: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ) (الحجر: 46)، ومن ذلك تحية الإسلام التي حث الإسلام على إفشائها وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم، وفي إفشائه إشاعة للأمن والود والسلام بين الناس، ومن ذلك سلامه عز وجل على أنبيائه المرسلين وذلك في قوله تعالى: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الصافات: 180، 182)، وقوله عز وجل: (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) (الصافات: 79)، (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الصافات: 109)، وسلامه سبحانه على عباده الصالحين كما في قوله تعالى: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) (النمل: 59)، ومن ذلك سلامه على نبيه يحيى عليه السلام في قوله تعالى: (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) (مريم: 15)، ومثل ذلك قيل عن عيسى عليه السلام، قال سفيان بن عيينة: أوحشَ ما تكون الخَلْقُ في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجًا مما كان، ويوم يموت فيرى قومًا لم يكُن عاينَهم، ويوم يُبعث فيرى نفسه في محشر عظيم. فأكرم الله فيها يحيى فخصه بالسلام فقال: (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) كأنه أشار إلى أن الله عز وجل سلّم يحيى من شر هذه المواطن الثلاثة وأمنه من خوفها. ولأن الله سبحانه مصدر الأمن والسلام جاء النهي عن قول: (السلام على الله)، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: السلام على الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله، والصلوات والطيبات)، فهو سبحانه مالك كل سلام ورحمة، وهي له ومنه وهو مالكها ومعطيها.