هي من أعطت للتحدي معنى و ضربت بكفاحها المثل ...هي صاحبة الجمال القروي بوجنتين محمرتين و الشعر المضفور الطويل الذي يرمز لحيائها و وقارها ...هي من تغنى بها الشعراء و المبدعين فأبدعوا لأنها حقيقة لوحة فنية تسر عين الناظرين... هي المرأة الريفية التي و ان تحدثنا عنها و وصفنا خصالها لن تفيها الكلمات حقها لأنها أثبتت شجاعتها وقتما كانت الجزائر تتخبط في كابوس الاستعمار ، فتقلدت أكثر من دور فكانت اخ الرجل التي حملت السلاح و كافحت معه يدا بيد من أجل تطهير ارض هذا الوطن ممن حاولوا تدنيسه و مع كل مظاهر التمدن الذي نعيشه بعد مرور سنين و سنين عن ذكريات الزمن الماضي إلا ان المرأة الريفية لا تزال تطبع أصالة هذا البلد فما عليك إلا ان تتوجه للأرياف و القرى و لك ان تكتشف نماذج مختلفة عن المرأة الجزائرية الاصيلة المتميزة بالقدرة على التحمل و الصبر و مواجهة أعباء الحياة مهما صعبت و حتى في أحلك الظروف كما أنها كانت و لا زالت مدرسة تخرج على يديها رجال و نساء يصنعون تاريخ و مستقبل الجزائر بالأمس و اليوم رغم أميتها لأنها لم تعرف طريقها الى أبواب المدرسة خاصة في العهد الاستعماري حيث يكاد تعليمها يقتصر على حفظ آيات من القرآن الكريم و المحفوظات منهن من قرعن أبواب المدرسة و لا يتعدى مستواهم في أحسن الظروف مستوى التعليم المتوسط و أكثر ما يميز المرأة الريفية بنيتها الفيزيولوجية القوية التي اكتسبتها مع صعوبة العيش في الريف الذي يفتقد الى مرافق الحياة الحديثة خلافا بالمرأة في المدينة و لها نظرتها الثاقبة للأشياء و ذكية في تعاملاتها اليومية كما أنها من النساء اللواتي يحافظن على حياتهن الزوجية حفاظا على القاعدة المعروفة عن الفتاة عندما تزف الى بيت زوجها يقال "من دارها الى قبرها" و يعتبر الرجوع الى بيت والدها عجزا و إهانة لها و لعائلتها ، كل هذه الصور عشنها في اجمل تجربة خضنها أثناء تنقل جريدة "المستقبل العربي" لقرية "بريرة" ببني حواء أين عشنا يوما بأكمله رفقة خالتي " الياقوت" التي يفوق عمرها السبعين سنة استقبلتنا في بيتها المتواضعة و غمرتنا بحنانها و كرمها و هي واحدة من صفة اهل الريف الذين يفرشون البساط لضيوفهم حتى و ان كانوا قليلي الحاجة "خالتي الياقوت" تجني الزيتون و تحلب البقرة و تخبز كل أنواع الخبز مع كل صيحة ديك في أفاق الصباح الذي هو بمثابة منبه و مؤشر لبزوغ الفجر و بداية يوم جديد من أيامها و تهيء أبناءها للقيام بالرعي أو أعمال فلاحية أخرى و تعلم بناتها الصنعة و قوة التحمل و المسؤولية حتى يتمشين على خطها عندما يصبحن ربة بيت ، و رغم أن سنين العمر أخذت منها شبابها إلا أنها لا تزال تحافظ على صحتها الأمر الذي جعلها تعيش لفرح أبناءها التسع و احفادها الذين يمشون على قانونها الخاص ، فكلماتها مسموعة لدى كل أفراد العائلة خاصة بعد غياب زوجها منذ أزيد من عشر سنوات بحديثنا معها لمسنا طيبتها و قوتها فهي لا تمل من أشغال البيت و تضع عينيها على كل صغيرة و كبيرة ،فرغم كبرها إلا انها تحرص على أن تكون أول الناهضين و أول من يستقبل أبناءها على رائحة الخبز الشهية بعد أن تجمع الخشب و أغصان الشجر حتى تشعل به الفرن الطيني الذي أضفى على الأجواء بروائح شهية التي اسرتنا و جذبتنا اكثر للمكان هذا بالاضافة الى تلك المأكولات التقليدية التي انستنا في الأكل السريع الذي طغى في مدننا الكبرى و أتعب معدتنا ، "خالتي الياقوت" تسهر كذلك على أن تعطي لكل حق حقه حتى حيواناتها لا تبخل عليهم بحنانها فتقوم مع كل صبيحة بتغذية الدواجن و المواشي و الاهتمام بها هذا بعدما تتحصل على حليب طازج بعد حلبها للبقرة ، و رغم برودة الطقس إلا انها تتحمل و لا تجد أي صعوبة في الانتقال من مكان الى أخر و هي حاملة على أكتافها الخشب و قلة مملؤة بالحليب بل بالعكس تجد راحتها النفسية و هي تقوم بهذا العمل هو الأمر الذي جعلنا نحس بمدى الفرق الكبير بين نساء الريف و المدن و في هذا الصدد تقول "خالتي الياقوت":" نساء اليوم يتوفرن على كل متطلبات الحياة إلا انهن لا يحسن التصرف و يضيعن الكثير من الفرص المتاحة لهن أمام الخيارات الكبيرة التي يتصادفن معها إلا انهن في الأخير و للأسف الكثيرات منهن لا يربحن شيئا حتى و ان كنا عاملات إلا أنك تجدهم مبذرات و ان كنا ربة بيت تجدهن لا يفلحن سوى في الثرثرة هذا ما لاحظته و انا في زيارتي لابنتي المتزوجة في المدينة التي أصبحت تحمل الكثير من الامراض الاجتماعية و أكثر ما يؤسفني هو حجم التبذير الذي لا يقبل به ديننا الحنيف ." و اُناء تواجدنا في بيتها لفت انتباهنا تلك الزرابي و الأفرشة التي حبكتها بأيديها و لدى سؤالنا عن هذه المنتوجات ابتسمت و أدخلتنا الى غرفة مجاورة فكانت دهشتنا أنها كانت بصدد انجاز حنبل اخر "غطاء" في منسج مركب في هذه الغرفة و ذكرت لنا بأنها تعلمت هذه الحرفة عن أمها عندما كان في عمرها اثني عشرة سنة كما أنها تحسن صناعة المكانس التقليدية من الدوم و أوانيها المنزلية تصنع من الطين و لنا ان نقول أن بيتها من مدخل العتبة الى عمق غرفه بمثابة متحف للمنتوجات لتقليدية التي افتقدناها اليوم في مدننا و تحرص دائما على تعليم هذه الحرفة الى أحفادها التي غرست فيهن خصال المرأة التقليدية حفاظا على هويتها و هذا تماشيا مع المثل القائل أن الإنسان وليد بيئته و دعنا خالتي الياقوت على أمل أن نعيش تلك التجربة في زيارة أخرى و نحن في طريقنا للمدينة اختلجنا شعور غريب تجلى في ما وصلت اليه المرأة في المدينة و ان اثبتت أنها جديرة بالاحترام لما تقدمه كذلك من مساهمة في التربية و العمل في الوظائف العمومية الا أنهن و مهما فعلن فإن المرأة الريفية بخصوصيتها تبق محل إعجاب و تقدير لارتباطها بالأرض و التراث .