تباينت ردود الفعل الرسمية والسياسية الجزائرية إزاء إقرار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في خطابه الذي ألقاه أمام نواب غرفتي البرلمان، بالمعاناة التي تسبب فيها الاستعمار الفرنسي لمدة 132 سنة من الاحتلال في الجزائر، كما قللت الأحزاب السياسية وممثلون عن الأسرة الثورية من شأن خطاب هولاند، حيث أجمع عدد منهم على وصفه ب"اللا حدث"، وأن عبارات الاعتراف التي أراد من خلالها هولاند إطفاء غضب الجزائريين، جني من ورائها صفقات جد هامة، ستخلص فرنسا من أزمتها الاقتصادية الخانقة، كما أن الاعتذار حسبهم يجب أن يشمل كل الحقبة الاستعمارية الممتدة على مدى 132 عاما. وقال وزير المجاهدين، محمد شريف عباس، أن إقرار الرئيس هولاند هو شبه اعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري إبان فترة الاحتلال. أما وزير الشؤون الخارجية، مراد مدلسي، فقد أكد أن خطاب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند "لم يغفل لا الماضي ولا المستقبل حيث انه قد ركز في خطابه على عدم عدالة النظام الاستعماري والمعاناة الكبيرة للشعب الجزائري خلال الاستعمار الفرنسي". وبالنسبة للناطق باسم الهيئة الجزائرية للدفاع عن الذاكرة، لخضر بن سعيد، فإن الهم الوحيد لهولاند هو إنقاذ اقتصاد بلاده الذي يتخبط في أزمة خانقة، بدليل أنه وقع مع الجزائر سبع صفقات هامة، دون أن تتطرق إليها وسائل الإعلام، في حين سعى ممثل قدماء المحاربين، وهو ابن قايد، في لقائه مع وزير المجاهدين لافتكاك مشاريع استعمارية التي ستكون البوابة التي سيعود منها الحركى والأقدام السوداء. من جهته اكتفى عضو الأمانة الوطنية لمنظمة المجاهدين، يوسف بلحداد، بوصف خطاب هولاند بأنه "لا حدث"، وأنه شخصيا لا يؤمن بما يقول، لأن الاستعمار الذي دام 132 عاما دمر كل شيء وطمس الهوية واللغة والدين، ولقد أخرجناهم بالقوة مثلما دخلوا بالقوة، بل خرجوا بأياد فارغة، وهو في الجزائر من أجل المشاريع وللسياحة، موضحا بأنه لم يهتم للخطاب ولم يستمع إليه أصلا، وأن منظمة المجاهدين لن تجتمع لاتخاذ موقف بشأنه. ويعتقد رئيس جبهة الجزائرالجديدة، جمال بن عبد السلام، بأن الحكومة الجزائرية أعطت لهولاند كل ما يريد، لكنها لم تأخذ منه شيئا، بل مجرد كلمات فضفاضة تم تضخيمها، هي في الواقع "تبلعيط"، وهو يرى بأن رئيس فرنسا حمل معه مشروع "بلوم فيوليت" الذي رفضه أجدادنا سنة 1933، معلنا بأن مجموعة الأحزاب 12 ستجتمع قريبا لتحليل هذا الخطاب واتخاذ المواقف المناسبة بشأنه. من جانبه يصر رئس الكتلة البرلمانية لتكتل "الجزائر الخضراء"، نعمان لعور، على أن الاعتراف بجرائم فرنسا في الجزائر يجب أن يكون من الفترة الممتدة من 1832 تاريخ دخول فرنسا إلى الجزائر وإلى غاية 1962، كما يجب أن يتبعه الاعتذار والتعويض، لأن جرائم الاستعمار ما تزال مستمرة في رڤان والمناطق المزروعة بالألغام. وقال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب جبهة القوى الاشتراكية، أحمد بطاطاش، ان خطاب هولاند هو "خطوة ايجابية ولكنه يبقى غير كاف بالنسبة لتطلعات الشعب الجزائري"، مؤكدا انه "اذا كانت السلطة الفرنسية تطلب من تركيا الاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها ضد الأرمن فان الشعب الجزائري له الحق أيضا في مطالبة فرنسا ليس فقط بالاعتراف بجرائمها ولكن أيضا باعتذارات". من جهة أخرى فقد أكدت الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، ان هولاند "اعترف بصراحة بمساوئ الاستعمار وهذا يعتبر نقطة قطيعة وتحدث عن حقيقة عبأها بمضمون اعتراف ومسؤولية فرنسا الاستعمارية في الجرائم التي ارتكبتها في الجزائر". وقال ممثل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بلقاسم بلعباس انه "مرتاح للاعتراف الصريح للرئيس الفرنسي بالمجازر والتعذيب اللذين ارتكبا في حق الجزائريين. من جهته أفاد المتحدث باسم التجمع الوطني الديمقراطي ميلود شرفي ان "هولاند اعترف بشكل صريح وخطابه كان معتدلا وصريحا فيما يخص الوجود الاستعماري في الجزائر". والجدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، قد اعترف أمس الأول بالجزائر العاصمة، بنظام استعماري "عنيف" و "مدمر" و "جائر" سلط على الجزائريين لمدة 132 سنة من الاحتلال، مؤكدا في خطاب ألقاه أمام أعضاء غرفتي البرلمان الجزائري بقصر الأمم في اليوم الثاني من زيارة الدولة التي يقوم بها إلى الجزائر أنه "لمدة 132 سنة خضعت الجزائر لنظام جائر وعنيف ومدمر، لا شيء يمكن أن يبرر الاعتداءات المرتكبة في حق الشعب الجزائري وإنكار هويته وتطلعه للعيش بحرية"، وأوضح قائلا "أعترف في هذا المقام بالمعاناة التي سلطها النظام الاستعماري الفرنسي على الشعب الجزائري، ومن ضمن هذه المعاناة مجازر سطيف و قالمة وخراطة التي تبقى راسخة في ذاكرة الجزائريين"، قائلا "تاريخنا مقترن بوعي فرنسي كبير ثار على الظلم الذي ميز الحقبة الاستعمارية".