تواضع الحياة المعيشية لأغلب المواطنين يجعل من وسيلة الحافلة النفس الوحيد لهم لقضاء حاجياتهم والوصول إلى الأماكن التي يريدونها وبسعر جيد ومعقول، ولأن الحافلة تحتوي على مقاعد محدودة وضئيلة جدا بالمقارنة مع كثرة المواطنين والراكبين يتوجب على البعض الوقوف والازدحام في الداخل، لكن وللأسف الشديد فئة من هؤلاء تترصد حتى تحتجز كل الأماكن بغية القيام بمهمتهم الحيوانية الشاذة عن طريق الوقوف والاحتكاك بأجساد لا ذنب لها سوى أنها لم تجد مكانا للجلوس فيه ويستغلونها قدر المستطاع، فبثمن التذكرة الذي لا يفوق 10 دنانير يفعلون العجب في أجسام لا حول ولا قوة لها، متحججين أن الأمر ليس بأيديهم وإنما الحشد الغفير المحاط بهم هو سبب تلك الوضعية الحرجة، ومع تفاقم هذه الظاهرة أصبح ركوب الحافلة هاجسا مقلقا مع صمت وتغاضي بعض الأشخاص عن هذه اللقطات والمناظر الشاذة. وحتى نسلط الضوء أكثر على هذه الظاهرة المستفحلة أمضت "الأمة العربية" يوما كاملا في الحافلات وعدنا بحكايات ووقائع مذهلة حقا، فما ينجم على هذا الطابو الذي يهدد حياة الراكبين كبارا وصغارا فعلا خطر حقيقي يهدد المجتمع المحافظ الذي ألفناه. انتزعت جبتها في الازدحام كانت واقفة بجانب صديقتها وبعيدة عن الموقف نوعا ما تنتظر قدوم الحافلة التي تتجه من وسط مدينة تلمسان إلى حي الإمامة، فاقتربنا منها وبعدما عرفناها على مهمتنا وطبيعة عملنا اطمأنت وقبلت بالاستجواب. اسمها نادية 24 سنة طالبة جامعية وأول سؤال طرحناه عليها ما هو سبب الابتعاد عن موقف الحافلة؟ فأجابت أنه لو حصل لأي مخلوق يوما مميزا معي لفعل نفس الشيء وابتعد عن الموقف، ففي أحد الأيام الذي صار يوما مميزا لدي، كنت أنتظر ككل الناس قدوم الحافلة ولما وصلت بدأ الازدحام للصعود والجلوس وكنت حينها ارتدي جبة، ومن كثرة ما كان خلفي من أشخاص قبض أحدهم في الجبة وإذا بها تنتزع ولك أن تتصور ذلك الموقف الحرج جدا أمام الملئ، فقررت وأقسمت منذ ذلك الوقت ألا أتزاحم في الحافلة وإذا لم أجد مكانا للجلوس لن أركب وأبقى واقفة، فطول الانتظار ولا الفضيحة وعلى الهواء مباشرة. صعدت في أحلى زينة ونزلت في أبشع صورة هي سيدة متزوجة 32 سنة كانت تجلس في أول الكراسي كما أنها كانت حريصة جدا أثناء جلوسها، وعندما أحسسنا بارتباطها غير العادي اقتربنا منها بلطف وطلبنا رأيها في هذه الظاهرة فترددت في بادئ الأمر ثم قالت: والله العظيم لو كنت وزيرة للمواصلات لوضعت حافلات الذكور وحدهم والفتيات وحدهن، لأن ما يحدث داخل الحافلة بين الجنسين شيء عجيب ومن ضحايا هذه الأخيرة أختي البالغة من العمر 28 سنة، كانت حديثة الزواج، فخرجت مع حماتها وركبت الحافلة ولم تجدان مكانا للجلوس، فبقيتا واقفتين وكانت الحافلة مملوءة عن آخرها حتى أصبحت عملية التنفس صعبة نوعا ما، وهناك تضايقت أختي من أحد الشبان كانا بجانبها أين غيرت مكانا آخر، فكانت المضايقة أكثر من الأول، فالالتصاق والتزاحم واللمس في بعض الأماكن جعلوها تنزل في أول محطة رفقة حماتها، وعند النزول كانت الفاجعة عندما رأت حماتها أن لباسها ملطخ من الوراء فكادت أن تجن أختي ولحسن الحظ أن الحماة تفهمت الوضع ومنذ ذلك اليوم صارت لا تخرج إلا مع زوجها الذي جن جنونه هو أيضا لما سمع ما حدث لزوجته. الالتصاق بالأجساد أيضا للسرقة داخل الحافلة تكلمنا مع منيرة زغودي عن الموضوع فعلقت قائلة، كي تركب في الحافلة المزدحمة يجب أن تكون ذكيا أو نشيطا وليس خجولا وإلا سوف تنال جزاءك، مثلما حدث لي عندما تعرضت لسرقة حقيبة يدي ولحسن حظي وسوئه في نفس الوقت لم يتواجد بها مال لكن ضاعت بطاقة التعريف الوطنية التي كنت قد استخرجتها منذ أسبوع فقط، ولما ذهبت كي أقوم بتصريح الضياع لم يصدقوني وبدأت الأسئلة تتهاطل عليا وكأنني جاسوسة، وبعد مد وجزر وعناء كبير صدقوني واستخرجت الأخرى، أما اليوم آخذ كل احتياطاتي عند الركوب وحقيبة يدي فارغة تماما إلا من المنديل الذي حتى لو تمت سرقته لا يهمني أمره. كدت أن أجن من شدة الاحتكاك نعيمة 34 سنة ممرضة سمعتنا ندردش مع إحداهن في هذا الموضوع فاقتربت منا تريد الانضمام إلينا ومشاركتنا الحديث فأحسسنا أنه قد حدثت لها أشياء لها صلة بموضوعنا فلم نمانع إياها طلبها فاستطردت قائلة لم أكن أتوقع أبدا أني سأكون في مثل تلك الوضعية الحرجة والمهينة يوما، رغم أني سمعت من زميلاتي وبنات الجيران عن مثل هذه التصرفات المخلة وحتى مع الأطفال غير مبالين ببراءة هذه الفئة وهو ما حدث أما أعيننا لواحدة منهن غير مبالية بما يحدث لأنها طفلة مثلها مثل أمها التي كانت في موضع ضيق من كثرة الراكبين، وهذا ما أفرح ذلك الوقح الذي إغتنم الفرصة لأقصى الحدود وبسرعة قمنا بسحب الطفلة من مكانها وإذا به يرمقنا بنظرات كأننا قتلنا أمه وبغضب شديد تهجم علينا لأنه يعلم بأننا عرفنا ما كان يريده، فكدنا أن نتشابك معه لم يحدث ذلك وعند نزولنا أوصينا الأم بالحذر الشديد على ابنتها داخل الحافلات وأفهمناها ما يحدث جيدا، فشكرتنا كثيرا ودعت لنا دعوات خير جميلة جدا. سكوت المواطنين يشجع على تنامي الظاهرة سعاد وسليمة زميلتين لمحناهن في موقف سيارات الأجرة الحضرية، اقتربنا منهن لرصد رأيهن في الموضوع فأجابت سليمة وأكبدان نحن وبحكم عملنا مع بعضنا نتفق دائما على استئجار طاكسي فهو أسرع وأضمن ونحن لا نركب في الحافلة كثيرا لكثرة الشكاوى عنها وأيضا لأنه لا يوجد من يغير المنكر، فلماذا يسكت المواطن على شيئ هو من حقه، فتراه في الحافلة ينتظر إقلاعها دون أن يجتج في حالة ما إذا كانت تعج بالناس وكان هناك لائحة قانونية تفرض على السائق ألا يقلع حتى يكاد الركاب يخرجون من النوافذ، فلو أن المواطنين تضامنوا وضغطوا على السائق كي يقلع قبل أن تمتلئ عن آخرها لما حدثت مثل هذه الظاهرة لأنه في هذه الحالة الكل سيأخذ مكانة ويظهر للعيان من نيته السليمة ومن غير ذلك. مهمتي بيع التذاكر وفقط اقتربنا من أحد بائعي التذاكر أو قابض أموال وهو شاب ونبهناه لما يحدث للراكبين من مضايقات ولقطات، فضحك ضحكة استهزاء وأجابنا، أعرف كل شيئ ولا دخل لي في تلك الأفعال وأنا غير مسؤول ومهمتي تنتهي في بيع التذاكر وفقط ولست حرسا شخصيا لأحد ومن لا يحتمل هذه التصرفات فليُقل سيارة أجرة أو يشغل سائق شخصي، لهذا أنا لا أستطيع أن أشغل وظيفتين وآخذ أجرة وظيفة واحدة، أما عمي حسن هاشم سائق حافلة فقالها لنا وبكل صراحة أنا لست مسؤولا عن تلك الظواهر ومن حق المواطن أن يحتج وينتفض لأن الحماية والسلامة من حقه. إن لم تستح فافعل ماشئت هكذا يقول عمي رابح بلكبير عن الموضوع، فمن أراد أن يطلق العنان لغريزته وأفعاله الحيوانية ما عليه إلا أن يدفع ثمن التذكرة المقدرة ب10 دج ويفعل ما يشاء دون أي ارتباك أو خوف، فلا رقابة ولا أعوان حماية والضحية دائما الفتاة المسكينة الخجولة أو الأطفال الذين لا يفقهون في هذه الأمور. لا لهذه التصرفات المنحطة ما يمكن التعقيب عليه في آخر كلامنا هو وجوب التقليل بل الإبتعاد عن هذه الآفة المخلة بالحياء والمدمرة للقيم الأخلاقية والتي باتت تنبئ بطوفان هادر يمس كل المعتقدات الأخلاقية الإسلامية ويعلن عن إفلاس المنظومة الإجتماعية التي تفاقمت فيها مثل هذه الظواهر بشكل رهيب وصارخ يبعث على التفكير بجدية في وضع حد لهذه السلوكات الشاذة التي يحترفها مفتقرو الأخلال العالية وكفانا إنحطاطا كما نتوجه إلى أصحاب الحافلات سواء العمومية أو الخاصة ونرجوهم عدم التفكير بطريقة مادية وحشو الحافلات فوق اللزوم، لأن ذلك يسهل من مهمة المتنزهين والشواذ والمنحرفين لأن الركاب عبارة عن أختي وأختك وزوجتي وزوجتك وأمي وأمك وخالتي وخالتك وجارتي وجارتك.