حركة دائبة تشهدها العاصمة هذه الأيام، الولاة والأميار في نشاط حثيث، قوات الأمن مجندة بالليل والنهار.. كل ذلك لتأمين موسم الرحلة إلى الجنوب جنوب العاصمة من البيوت القصديرية والأكواخ التي تحيط بأحياء المدينة، جاعلة منها حزاما، ليس للأمن، ولكن حزاما لغير الأمن، بما يتولد منها من أمراض اجتماعية تنخر عظام المدينة.. فمرحى لهؤلاء المواطنين الذين استفادوا من مساكن تضمن لهم العيش في ظروف أحسن من ظروف البؤس التي تكبدوها سنوات طوال، دون أن يلتفت إليهم أحد ممن يتسوّلون أصواتهم أيام الانتخابات، ويتجاهلونهم عندما يعتلون العروش ويملأون الكروش.. ولكن.. بالقدر الذي يفرحنا كمواطنين بسطاء، أن نرى إخوانا لنا في البساطة، يرتقون درجة في الحياة الاجتماعية، بامتلاكهم مسكنا يحمل مواصفات "المسكن"، بجدرانه الصلبة، ومستلزماته الحياتية من ماء وكهرباء وغاز، ومرافق مختلفة بالجوار، بالقدر الذي يفرحنا هذا، يحزننا.. يحزننا، عندما نرى أن هذه الأحياء الجديدة العصرية لا تمر عليها سوى بضعة أشهر محافظة على سماتها الحضارية الأولى، لتتحول إلى ما يشبه الأحياء القصديرية التي خرجوا منها.. بتخريب كل مظاهر الحياة العصرية، وتشويه المحيط الجميل، وما يختلقونه من مشاكل الجوار التي ترهق رجال الأمن بتدخلاتهم اليومية لفض النزاعات المختلفة. هذه النزعة إلى التخريب، لا شك أنها مظهر من مظاهر عدم الاستقرار، وكأن غلق باب مشكل المسكن، هو فتح لأبواب مشاكل أخرى كانت في حالة سبات، فأيقظتها.. ومن هنا كان لابد من الإحاطة بالمعاناة إحاطة شاملة، وتقديم الحل كاملا، بما يعالج المرض نهائيا، وليس بتقديم مسكن كمسكّن!