معركة الأسعار هي واحدة من المعارك الكثيرة التي يواجهها المواطن المغلوب على أمره، يوميا، ولا يقتصر الأمر على شهر رمضان وحده، وإن كان الجشع يكشر عن أنيابه بحدة أكبر، في هذا الشهر الذي تحول، إلى شهر كل شيء فيه مباح، الحلال موجود والحرام موجود، يسيران جنبا إلى جنب، بل يحملهما كل واحد منا بيمناه ويسراه. لا نجانب الصواب إن قلنا بأن الشهر الذي أمرالله فيه عباده، أن يخلصوا له العبادة، ويفعلوا كل ما يقربهم أكثر من خالقهم، الذي أعد لهم الجزاء الأوفى لقاء الإتمار بأوامره، بأن يصوموا، أي أن تكف جوارحهم ونفوسهم عن المحرمات، وينسون أنفسهم مدة شهر، يتذكرون فيه خالقهم، ويخلصون ما استطاعوا الإخلاص.. إذا بهم يجمعون بين المنهي عنه والمأمور به، يبذرون مالهم في اقتناء المطاعم، التي لن تعرف الطريق إلى بطونهم، ويسمون ذلك بركات رمضان! الموائد حافلة، بما لذ وطاب، قليله يهضم وكثيره يلقى في المزابل، يستدينون لتزيين موائدهم، وينسون أنهم يزينون أيضا دفتر ديونهم، التي ستطل عليهم كألسنة من النار تنهش أيامهم، فتحول حياتهم جحيما، بعد انقضاء شهر الصيام. يصلون التراويح ثم بعد الصلاة ينصرفون إلى حكايات السوق، هذا يتشكى من التهاب الأسعار ولكنه لا يستطيع أن يمسك نفسه ويده عن الشراء، ما يلزم وما لا يلزم، وذاك يجتمع إلى شلته من التجار يعقدون الصفقات و يخططون لمعركة جديدة لهزم زبائنهم الذين درسوهم وفهموا على أي وتر من أوتارهم يضربون لجعلهم يستسلمون لإرادتهم، ويفعلون ذلك باسم التجارة . لن ألوم هنا، هذا التاجر، بقدر ما ألوم نفسي كشخص يملك قواه العقلية، يسمع إلى وعظ الواعظين يوميا، ولكنه لا يسمع سوى لصوت نفسه ونوازعه التي لا تشبع مهما حاول إرضاءها بتلبية أوامرها. فمعركة الأسعار معركة بأيدينا، فنحن لم نستطع أن نهزم جموحنا، ونرجو من غيرنا، مهما كان هذا الغير، حكومة أو جماعة أو أفرادا، أن يقف إلى جانبنا لمواجهة حدة الأسعار. فلنهزم أنفسنا أولا، هي هذه المعركة الحقيقة، ثم بعد ذلك، تعالوا لنتكلم!