عاد ملف النقل خلال المواسم والأعياد للواجهة ككل سنة، حيث الاكتظاظ والازدحام على شبابيك الحجز هي الديكور الطاغي الذي يميز محطات النقل عبر كافة الوسائل قبل يومين فقط من انتهاء شهر رمضان واستقبال عيد الفطر، في وقت ما تزال مصالح المراقبة التابعة للوزارة الوصية في سبات، ليبقى المواطن يعاني الأمرّين وتائها، ليقع في نهاية المطاف فريسة في قبضة مضاربي الساعات الأخيرة من أصحاب سيارات الأجرة النظامية أو أولئك الذين يعملون بطرق غير شرعية ممن تصطلح عليهم بالعامية تسمية "الكلاندستان" الذين اجتاحوا في اليومين الأخيرين مختلف نقاط النقل في العاصمة ليقروا الأسعار التي تحلو لهم. وحسب العديد من المواطنين الذين التقت بهم "الأمة العربية" واستطلعت آراءهم في محطة النقل البري للمسافرين بالخروبة في العاصمة، فإن وزارة عمار تو لم توف بوعودها وهي التي تحدثت قبل أسبوع على أن مصالحها ستحرص على ضمان خدمات النقل البري عبر الخطوط الطويلة للمواطنين بشكل اعتيادي خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، لكن الواقع يكشف عكس ذلك تماما، لأن الفوضى هي سيدة الموقف إلى درجة أن أصبح الناقلون العموميون للمسافرين يقرون قانونهم ومنطقهم، في غياب مصالح المراقبة والردع التي من المفترض أن تدعم وتعزز نشاطها بشكل مكثف في محطات النقل خلال هذه الأيام لتفادي تكرار سيناريوهات السنوات الماضية التي بلغ حينها سعر تذكرة السفر من الجزائر إلى سطيف عبر سيارة الأجرة، ألف وخمسمائة دينار، ومن العاصمة إلى وهران أكثر من ألفي دينار. شهادات من "معمعة" الطوابير الطويلة التقينا "محمد.ع" بمحطة الخروبة في العاصمة، وهو ممرض يعمل في العاصمة ويقطن بولاية ورڤلة يقول "ارتأيت هذا العام أن أسبق الزمن كما يقولون وقررت أن أغادر باكرا لتفادى "تمرميدة" العام الماضي عندما بلغت بيتي فجر يوم العيد بعد معركة كبيرة خضتها من أجل الظفر بتذكرة النقل عبر الحافلة التي تعمل على الخط الجزائر ورڤلة عبر باتنة، لكن كما ترون بوادر "معضلة النقل" بدأت تلوح منذ نهار اليوم والأمر سيتعقد أكثر غدا، أي يوم الأربعاء". أما "ساعد.ف"، وهو تقني سام في شركة اقتصادية خاصة بمنطقة بودواو بولاية بومرداس، فقد قال "حجوزات النقل عبر الطائرة ممتلئة بالكامل على رحلات مطار هواري بومدين بسكرة ليومي الثلاثاء والأربعاء وحتى الخميس، والذي من المحتمل أن يكون أول أيام عيد الفطر لم أشأ المغامرة لتسجيل اسمي في قوائم الانتظار والتي تكاد هي الأخرى أن تكون ممتلئة، لذلك قررت أن استقل الحافلة، ولكن هذا الخيار لم يكن سهلا مثلما كنت أعتقد، لأن الظفر بتذكرة نقل يتطلب منك قضاء أكثر من ساعتين في طابور طويل وقد يطول هذا الطابور أكثر غدا الأربعاء". تدفق المسافرين يبدأ خلال اليومين الأخيرين من رمضان من جهته، أبدى "عمار.ن"، وهو عون أمن في مؤسسة إدارية عمومية التقينا به في ذات المحطة، أبدى استغرابه من طريقة تعاطي وتعامل وزارة النقل مع هذا الوضع الذي يتكرر كل سنة ولم تحاول ولو مرة التدخل وبشكل جدي ترتيب بيت النقل على الأقل عشية الأعياد كي لا أقول على مدار أيام السنة، وذلك في اعتقادي أمر مستحيل التحقيق، المعضلة كبيرة أن تدفق المسافرين على محطات النقل سواء بالحافلات أو سيارات الأجرة يأخذ خطا تصاعديا بداية من يوم السادس والعشرين من رمضان ويتعقد في اليوم الأخير من الشهر الكريم، وأصدقكم القول إن بعضا من المواطنين الموظفين في العاصمة والذين ينحدرون من ولايات في العمق الجزائري رفضوا أن يقعوا "فريسة" في أيدي المضاربين من أصحاب سيارات الأجرة أو أن يدفعوا "التشيبة" لقاء الحصول على تذكرة على متن حافلات الخطوط الطويلة، الأمر مؤسف وأرجو أن تبلغ هذه الكلمات وزير النقل عمار تو ليدرك فعلا أن قطاعه بحاجة إلى رسكلة حقيقية لتطهيره من المتطفلين على القطاع والذين لا يملكون أي حس مهني. محطة سيارات الأجرة ما بين الولايات.. قانون الغاب لا يقل الوضع مأساوية في محطة النقل عبر سيارات الأجرة ما بين الولايات عما يحصل في محطة النقل بالحافلات القريبة في الخروبة، حيث بدأت قوافل المسافرين تتوافد دون توقف بداية من يوم الأحد الماضي، وقد أسال هذا الإقبال المتزايد لعاب المنتهزين الذين يقررون أسعارا خارج تلك المعمول بها في الأيام العادية ولا يجد المواطن المغلوب على أمره من مفر إلا بدفع ما يُطلَب منه، لأن الأمر يتعلق بالعيد وتمضية هذه المناسبة بعيدا عن الأهل لا طعم لها، مثلما حدثنا "هشام.ط"، وهو بيطري يعمل في منطقة تيبازة وجدناه على أهبة الصعود إلى سيارة أجرة تعمل على خط الجزائرسعيدة الذي قال "العام الماضي أرغمت على ركوب 3 حافلات لأصل بيتي في سعيدة، الأولى من الجزائر إلى وهران، والثانية من وهران إلى سيدي بلعباس، والثالثة من سيدي بلعباس إلى سعيدة، والسبب الاكتظاظ ولا أريد أن أكرر سيناريو العام الماضي، لذلك قررت أن أركب السيارة قبل ثلاثة أيام من حلول العيد". أما "بوعلام.ق"، وهو إطار في شركة اقتصادية، فقد قال إنه كان سيستقل الطائرة، لكن هذا العام لم يتمكن من ذلك، وقال "إن النقل الجوي أصبح هو الآخر يعمل ب "المعريفة"، تصوروا أن أشخاصا أسبقهم في قوائم الانتظار يغادرون، ليبقى الباقي تائها في بهو المطار.. هذه السلوكيات تستفحل أكثر عشية المناسبات، وعون بسيط في المطار بإمكانه أن يزيح أسماء ويستخلفها بأخرى في أية لحظة". "الكلاندستان".. يتدلل ويطلب ضعف الأضعاف هذا الوضع الذي لمسناه عشية عيد الفطر المبارك، كان نعمة على أصحاب "التاكسي المخفي" الذي أصبح سيارة مدللة يغازلها الكثيرون، في ظل الفوضى والطوابير الطويلة في محطات النقل البري للحافلات أو سيارات الأجرة أو المقصين من قوائم الانتظار في المطارات، وهؤلاء يبدأون يتوافدون على المحطات في اليوم الأخير ومعظمهم من فئة الشباب ويعملون على الخطوط المتوسطة أقل من 350 كلم، لتتسنى لهم العودة وقضاء العيد وسط أهاليهم، والمؤسف أن "كلاندستان" الساعات الأخيرة يقر أسعارا خيالية تصل إلى 3000 دج للمكان الواحد. ورغم ذلك، يلقون الإقبال المكثف.. يحدث هذا في ظل الغياب شبه التام لمصالح المراقبة وكأن الأمر لا يعنيها. التقينا "فيصل.م"، وهو صاحب سيارة "كلاندستان"، قال "نحن نقدم خدمات ومن بيننا من يضحي بالعيد من أجل كسب قوت أولاده". ولما سألناه عن الأسعار الخيالية التي يقرونها، بالرغم من أنهم لا يدفعون ولا فلسا لمصالح الضرائب، قال "أنا شخصيا أقر أسعارا لا تقل عن 1800 دج بالنسبة لسفرية الجزائرسطيف، وأرى أنه سعر نوع ما مقبول مقارنة بغيري الذين يقرون أسعارا تفوق 2000 دج. على العموم، الكل متفق على سقف معين ولا مجال للمنافسة حتى الساعات الأخيرة من ليلة العيد".